عربي و دولي

منظمات حقوقية: الحرب في السودان تحوّل الصحافة إلى جريمة وتخنق حرية التعبير

نشوة أحمد الطيب_ مراسلين

حذّر المرصد السوداني لحقوق الإنسان ونقابة الصحفيين السودانيين من التدهور الحاد في حرية الرأي والتعبير في السودان في ظل الحرب المستمرة، مؤكدين أن الصحفيين باتوا أهدافاً مباشرة لأطراف النزاع، وأن ممارسة العمل الصحفي أصبحت محفوفة بمخاطر الاعتقال والتعذيب والقتل.

جاء ذلك في مذكرة مناصرة مشتركة صدرت في 15 ديسمبر 2025 تحت عنوان «حرية الرأي والتعبير في ظل الحرب في السودان»، تحصلت مراسلين على نسخة منها ، وثّقت المذكرة نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات التي طالت الصحفيين والإعلاميين والعاملين في المجال العام، ولا سيما في مناطق النزاع المسلح.

وأفادت المذكرة بأن قوات الدعم السريع احتجزت الصحفي السوداني المستقل معمر إبراهيم، المراسل المتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، أثناء محاولته مغادرة مدينة الفاشر عقب سيطرتها عليها، دون توجيه أي تهمة قانونية أو إخضاعه لإجراءات قضائية معترف بها.

وذكرت نقابة الصحفيين السودانيين أن الصحفي تعرّض لاستجواب قسري على خلفية مصطلحات استخدمها في تغطيته الإعلامية، قبل أن تبث الجهة الإعلامية التابعة لقوات الدعم السريع مقطعاً مصوراً يُظهره تحت الإكراه وهو يُجبر على تقديم “اعترافات” علنية، في ما وصفته المنظمات الحقوقية بأنه انتهاك جسيم للكرامة الإنسانية ومعاملة مهينة محظورة بموجب القانون الدولي، ورسالة ترهيب مباشرة لبقية الصحفيين العاملين في مناطق النزاع.

وأكدت المذكرة أن تبرير الاحتجاز على أساس توصيف صحفي لقوات مسلحة بعبارات نقدية مثل “مليشيا” يفتقر إلى أي سند قانوني، مشددة على أن اختيار المصطلحات يندرج ضمن حرية التعبير المكفولة للصحفيين، ولا يجوز تجريم الآراء أو الخيارات التحريرية بأي حال.

وعلى الصعيد القانوني، أوضحت المذكرة أن الصحفيين يُعدّون مدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني، ويتمتعون بالحماية الكاملة طالما لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، مستندة إلى اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، الذي انضم إليه السودان عام 2006. كما أكدت أن احتجاز الصحفيين واستجوابهم بسبب آرائهم يشكل انتهاكاً صارخاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية الرأي والتعبير باعتبارها حقاً أساسياً غير قابل للتقييد حتى في حالات الطوارئ.

وكشفت نقابة الصحفيين السودانيين، بحسب المذكرة، عن مقتل 34 صحفياً منذ اندلاع الحرب وحتى ديسمبر 2025، إضافة إلى اعتقال ما لا يقل عن 239 صحفياً وصحفية، وتعرض عشرات آخرين للاختطاف والاحتجاز القسري، فيما سُجلت حالات إخفاء قسري ومقايضة إطلاق سراح مدنيين بدفع فديات مالية، ما يعكس – وفقاً للمذكرة – نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات.

وسلّطت المذكرة الضوء على أشكال أخرى من تقييد حرية التعبير، من بينها فرض الرقابة المسبقة على المحتوى الإعلامي، إغلاق وطرد قنوات فضائية، سحب تراخيص صحفيين، حجب الإنترنت والاتصالات بشكل متكرر، وتصاعد خطاب الكراهية والتحريض في الفضاء الرقمي، إلى جانب حملات تضليل منظمة وتشويه سمعة الصحفيين والناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أشارت إلى استهداف النشطاء والمتطوعين والعاملين في المجال الإنساني والطبي والقانوني، واتهامهم بالخيانة أو التجسس، بما أسهم في تضييق الفضاء المدني وتقويض النقاش العام، ودفع كثير من الأكاديميين والمثقفين إلى الصمت خوفاً من التشويه أو الانتقام.

وفي ختام المذكرة، طالبت المنظمتان بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفي معمر إبراهيم وجميع الصحفيين والصحفيات المحتجزين، وتحميل الجهات المسؤولة كامل المسؤولية الجنائية عن سلامتهم، داعيتين الحكومة السودانية وجميع أطراف النزاع، وعلى رأسها قوات الدعم السريع، إلى الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين.

كما دعت المذكرة الأمم المتحدة وآلياتها المعنية بحرية التعبير والصحافة، والمفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى تكثيف توثيق هذه الانتهاكات ومتابعتها، وحثّت المثقفين وقادة الرأي على كسر الصمت والدفاع عن حرية التعبير باعتبارها حقاً أصيلاً لا يجوز مصادرته تحت أي ذريعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews