الاتحاد الأوروبي وتشديد سياسة الهجرة عبر مفهوم الدول الآمنة

سعيد محمد – مراسلين
أقرّ الاتحاد الأوروبي توجّهًا جديدًا في سياق تشديد سياسة الهجرة من خلال الاتفاق على قائمة موسّعة لما يُعرف بـ«دول المنشأ الآمنة»، وهي خطوة تعكس تحوّلًا سياسيًا واضحًا داخل مؤسسات الاتحاد، خصوصًا في ظل صعود اليمين واليمين المتطرّف وتأثيرهما المتزايد على سياسات اللجوء. وتضم هذه القائمة دولًا من شمال إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية مثل المغرب وتونس ومصر وكوسوفو وكولومبيا والهند وبنغلاديش، إضافة إلى دول مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي مثل ألبانيا وتركيا، ما يعني أن طلبات اللجوء المقدّمة من مواطني هذه الدول ستُعتبر من حيث المبدأ أقل أحقية بالحماية، ويمكن البتّ فيها بسرعة أكبر أو رفضها بسهولة.
وجاء هذا التوجّه بعد مصادقة البرلمان الأوروبي في مقره بستراسبورغ على نصّين تشريعيين أساسيين يهدفان إلى تشديد سياسة الهجرة واللجوء داخل التكتل. وتُعد هذه المصادقة نتيجة مباشرة لتحالف سياسي بين قوى اليمين التقليدي واليمين المتطرّف، وهو تحالف بات يفرض أولوياته على الأجندة الأوروبية، خصوصًا في ملف الهجرة الذي يشكّل محورًا حساسًا في النقاشات الداخلية والانتخابات الوطنية في عدد من الدول الأعضاء.
وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات حادة من أطراف اليسار، حيث اعتبر النائب الأوروبي داميان كاريم، المنتمي إلى اليسار الراديكالي، أن ما جرى «بمثابة هدية تُقدَّم لجورجيا ميلوني بمناسبة عيد الميلاد»، في إشارة رمزية إلى رئيسة الوزراء الإيطالية وخططها الرامية إلى تشديد التعامل مع طالبي اللجوء. ويقصد كاريم تحديدًا المشروع الإيطالي القاضي بإنشاء مراكز خارج الأراضي الإيطالية، وتحديدًا في ألبانيا، لمعالجة طلبات اللجوء، وهو مشروع يواجه تحديات وعراقيل قضائية وقانونية داخل إيطاليا وعلى المستوى الأوروبي.
وفي سياق قضائي منفصل لكنه مرتبط بملف الهجرة واللجوء، أصدرت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ حكمًا مهمًا يتعلّق بحقوق طالبي اللجوء داخل دول الاتحاد. فقد قضت المحكمة بأن السلطات الإيطالية لا يحق لها سحب جميع أشكال الدعم الأساسية، مثل السكن والطعام، من طالب لجوء لمجرد رفضه الانتقال إلى مركز استقبال آخر. وتعود القضية إلى رجل تونسي وابنه القاصر كانا يقيمان في ميلانو، حيث فقدا كل المزايا الاجتماعية بعد رفضهما الامتثال لقرار النقل.
ورأت المحكمة أن السحب الكامل والشامل للدعم يُعد إجراءً غير متناسب مع المخالفة المرتكبة، مؤكدة في الوقت نفسه أن من حق السلطات الوطنية فرض نظام الاستقبال وإلزام طالبي اللجوء بالانتقال إلى مراكز محددة، وكذلك معاقبة السلوك غير المنضبط أو الرافض للأوامر، لكن بشرط أن تكون العقوبات متناسبة وتحترم الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بقاصرين.
ويعكس هذا الحكم التوازن الدقيق الذي يحاول الاتحاد الأوروبي الحفاظ عليه بين تشديد الرقابة على الهجرة وتنظيمها من جهة، والالتزام بالإطار القانوني والإنساني الذي يقوم عليه نظام اللجوء الأوروبي من جهة أخرى، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والشعبية لإعادة رسم سياسات الهجرة بشكل أكثر صرامة.



