تقارير و تحقيقاتسوريا

حملة «حلب ستّ الكل»… زخم مالي لإعادة الإعمار في مدينة تبحث عن التعافي

سلوم الظاهر وشريف فارس– مراسلين

حلب – شهدت مدينة حلب انطلاق حملة «حلب ستّ الكل» في فعالية واسعة النطاق، حملت معها رسائل تضامن ودعم لإعادة إعمار المدينة وريفها بعد سنوات طويلة من الدمار الذي خلّفته الحرب. المبادرة، التي أُطلقت في مجمّع الشهباء، جمعت حضورًا رسميًا وشعبيًا لافتًا، وعكست حجم التفاعل مع ملف يُعد من أكثر القضايا حساسية في المشهد السوري الراهن.

الحملة تهدف إلى حشد الموارد المالية لدعم مشاريع خدمية وتنموية أساسية، في مقدمتها الصحة والتعليم والبنية التحتية، ضمن مسعى لإعادة تحريك عجلة الحياة في مدينة شكّلت لعقود مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا محوريًا في سوريا.

تبرعات قياسية في الساعات الأولى

منذ انطلاقها، سجّلت الحملة تفاعلًا واسعًا تُرجم بأرقام مالية كبيرة، إذ تجاوزت التبرعات خلال الساعات الأولى حاجز المئة مليون دولار، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم مع استمرار الفعاليات حتى الثاني والعشرين من ديسمبر. هذا الزخم المالي عكس استعداد شرائح واسعة من رجال الأعمال والصناعيين والمغتربين للمساهمة في جهود إعادة الإعمار، بعد سنوات من التردّد المرتبط بالوضعين السياسي والاقتصادي.

القائمون على الحملة أشاروا إلى أن هذا التفاعل يعكس شعورًا متزايدًا بالمسؤولية الجماعية تجاه المدينة، إضافة إلى إدراك متنامٍ لحجم التحديات التي تواجهها حلب في مرحلة ما بعد الحرب.

أبعاد رمزية ومشاركة متعددة المستويات

تزامن إطلاق الحملة مع ذكرى تهجير أهالي شرق حلب عام 2016، وهو ما أضفى بعدًا رمزيًا على الفعالية، أعاد إلى الواجهة الذاكرة الجماعية للمدينة، وربط بين معاناة الماضي ومحاولات التعافي في الحاضر.

وشهدت الفعاليات مشاركة شخصيات رسمية، إلى جانب حضور واسع من الفاعلين الاقتصاديين والدينيين والثقافيين، إضافة إلى منظمات دولية أعلنت مساهمات مالية ومبادرات دعم، ما منح الحملة طابعًا يتجاوز الإطار المحلي، ويضعها في سياق أوسع مرتبط بإعادة إعمار سوريا ككل.

المزادات الرمزية التي رافقت الحملة شكّلت أحد مظاهر هذا التفاعل، حيث جرى تحويل مقتنيات شخصية إلى أدوات دعم مالي، في خطوة حملت طابعًا إنسانيًا ورسائليًا، وأسهمت في تعزيز الزخم الإعلامي والشعبي.

أولويات الإعمار والتحديات القائمة

بحسب الخطط المعلنة، ستُخصَّص الموارد المالية لمشاريع حيوية تشمل إعادة تأهيل المرافق الصحية والتعليمية، تحسين شبكات الصرف الصحي، رفع الأنقاض، وإنارة الطرقات. وتشير تقديرات أولية إلى أن كلفة بعض هذه المشاريع، خصوصًا في قطاعي الصحة والبنية التحتية، تتجاوز مئات ملايين الدولارات، ما يضع الحملة أمام تحدي الاستمرارية وتأمين التمويل طويل الأمد.

ويرى متابعون أن نجاح المبادرة لا يقاس فقط بحجم التبرعات، بل بقدرتها على تحويل هذه الموارد إلى مشاريع ملموسة وشفافة، قادرة على إحداث فرق حقيقي في حياة السكان.

جدل محدود حول الخطاب العام

رغم الطابع الإيجابي العام للحملة، أثارت بعض التصريحات التي رافقت الفعالية نقاشًا في الأوساط العامة، لا سيما تلك التي اعتبرها منتقدون مبالغة في توصيف المشاركين أو خروجًا عن خطاب النقد والمساءلة. هذا الجدل، وإن بقي محدودًا مقارنة بزخم الحملة، عكس استمرار حساسية العلاقة بين العمل الإنساني والخطاب السياسي في السياق السوري.

في المقابل، رأى آخرون أن التركيز على هذه التصريحات قد يطغى على الهدف الأساسي للمبادرة، والمتمثل في دعم مدينة تعاني من آثار الدمار وتحتاج إلى جهود جماعية لإعادة بنائها.

بين الحاجة للإعمار وتعقيدات المرحلة

تأتي حملة «حلب ستّ الكل» في مرحلة دقيقة، تتقاطع فيها الحاجة الملحّة لإعادة الإعمار مع تعقيدات سياسية واقتصادية لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السوري. وبينما تمثل الحملة مؤشرًا على استعداد داخلي وخارجي لدعم مسار التعافي، تبقى الأسئلة المتعلقة بالحوكمة، الشفافية، واستدامة التمويل حاضرة في النقاش العام.

ومع استمرار فعاليات الحملة خلال الأيام المقبلة، تتجه الأنظار إلى مدى قدرتها على الحفاظ على زخمها، وتحويل الدعم المالي والشعبي إلى خطوات عملية تسهم في إعادة إحياء مدينة ما زالت تبحث عن توازنها بعد سنوات من الحرب.

Rita Abiad

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، مهتمة بتغطية الأخبار الرياضية وتحليلها بالإضافة الى خبرة في إدارة منصات التواصل الإجتماعي وانتاج محتوى تحريري بدقة عالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews