اليمنتقارير و تحقيقات

رغم التوعية… ضحايا الظل يتزايدون في اليمن

تقرير : منال أمين / عدن

لم تكن سهام (اسم مستعار)، البالغة من العمر 27 عامًا، من مديرية المنصورة في محافظة عدن جنوبي اليمن، تدرك أن لحظة ثقة عابرة ستقودها إلى تجربة قاسية من الابتزاز الإلكتروني.

فبعد أيام من استلام هاتفها من أحد محال صيانة الهواتف بنفس المديرية، بدأت تتلقى رسائل تهديد عبر تطبيق «واتساب» مرفقة بصور خادشة للحياء، يطالبها مرسل مجهول بدفع مبلغ مالي بالدولار مقابل التوقف عن ابتزازها.

على مدى شهرين، عاشت سهام حالة من الخوف والارتباك، غير قادرة على استيعاب ما تتعرض له، خاصة أن حياتها بعيدة عن أي شبهات، غير أن الصدمة دفعتها في النهاية إلى كسر الصمت وإبلاغ شقيقها الأكبر، الذي بادر بدوره إلى البحث عن مصدر هذه التهديدات.

بعد الاستعانة بأشخاص من مبادرة سند للحقوق الرقمية، وهي مبادرة مستقلة تُقدم المساعدة لضحايا الابتزاز الإلكتروني، استطاع أن يعرف تفاصيل عن المبتز، والذي ظهر في الأخير أنه أحد أصدقاء العاملين في محل صيانة الهواتف، حيث استغل وصوله غير المشروع إلى الجهاز واستولى خفية على محتوياته.

وتمكن أخ الضحية بضبط المتهم ، وهو شاب في العشرين من عمره، لا تربطه أي معرفة مسبقة بالضحية، لكنه يمتلك خبرة تقنية في مجال الإلكترونيات، استطاع أن يستخدمه في عملية الابتزاز.

قصة سهام لا تقل أهمية عن قصة فتاة تُدعى سمر (اسم مستعار)، وهي من سكان مدينة عدن ، تبلغ من العمر 25 عامًا، إذ تعرضت للابتزاز والتهديد من قبل فتاة مجهولة الهوية، قامت بإرسال صور مخالفة للآداب العامة، مرفقة بتهديدات بنشرها عبر الإنترنت، مقابل مطالبتها بدفع مبلغ مالي بالريال السعودي.

وعلى إثر البلاغ، باشرت وحدة مكافحة الابتزاز الإلكتروني في أمن العاصمة المؤقتة عدن المعترف بها دولياً ، إجراءاتها القانونية، حيث شرعت في التحقيق وجمع الأدلة، وتمكنت من تحديد هوية المتهمة، البالغة من العمر 28 عامًا، وتعمل مسوقة إلكترونية في نفس المدينة.

وبعد أن ضبطت الجهات الأمنية المتهمة، أقرت بارتكاب الجريمة، موضحة أنها قامت بتعديل الصور وجعلها تبدو عارية ومخلة بالآداب العامة، وذلك بهدف الانتقام، حيث كانت المتهمة زميلة سابقة للضحية في العمل، وقد نشأت خلافات شخصية بينهما في وقت سابق، ما ولد لديها دافعًا للانتقام.

في المقابل، تعيش فتيات ونساء أخريات معاناة أشد قسوة، إذ لم يحالفهن الحظ في مواجهة الابتزاز أو الإفصاح عنه لأسرهن، خوفًا على حياتهن في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد وأعراف صارمة وتعقيدات اجتماعية خانقة.

أمام هذا الخوف، لم تجد بعض الضحايا سوى الرضوخ لمطالب المبتز، إلى أن تم استُنزفن ماديًا ونفسيًا، وغرقن في دوامة اكتئاب قاتل انتهى في حالات مأساوية بمحاولات انتحار أو فقدان للحياة.

القانون في العصر الرقمي

على الصعيد القانوني، أكد حقوقيون يمنيون على ضرورة إقرار تشريعات خاصة بمكافحة الابتزاز الإلكتروني، في ظل استمرار التعامل مع هذه الجريمة الحديثة بقوانين وضعت قبل العصر الرقمي، ما يترك الضحايا أمام فراغ تشريعي واضح ويحد من حمايتهم القانونية.

المحامية والناشطة الحقوقية أقدار مختار، رئيسة مؤسسة دعم حماية وتنمية المجتمع CPDS ، تؤكد أن النصوص التي يتضمنها القانون اليمني وخاصة قانون الجرائم والعقوبات اليمني الصدر عام 1994، أي قبل الانتشار الواسع والتحول الرقمي، صيغت للجرائم التقليدية وليس للجريمة السيبرانية بخصوصيتها (كالتعامل مع بيانات إلكترونية، اختراق الحسابات، سرقة الهوية الرقمية).

ولو بحثنا عن تعريف للابتزاز الإلكتروني قانونياً ، توضح المحامية أقدار، أنه لا يوجد في التشريعات اليمنية الحالية “تعريف قانوني” مُستقل ومُحدد بشكل صريح لمصطلح “الابتزاز الإلكتروني” كما هو الحال في بعض الدول التي أصدرت قوانين جرائم معلوماتية شاملة.

وهنا تستعرض النصوص القانونية الذي يتم التعامل معها في جرائم الابتزاز الإلكتروني من خلال تكييفها وتطبيق نصوصها من قانون العقوبات العامة المتعلقة بالجرائم، وهي كالآتي :

  • التهديد والوعيد (في المادة 269 وما يليها من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لعام 1994) والتي تتناول التهديد بإفشاء أمور أو ارتكاب جريمة لغرض ابتزاز المال أو المنفعة .
  • القذف والسب الإلكتروني: (في حال تضمنت عملية الابتزاز نشر محتوى مسيء).
  • النصب والاحتيال الإلكتروني: (إذا كان الغرض هو الاستيلاء على مال أو منفعة بطرق احتيالية).
  • الجرائم الماسة بالحياء والآداب العامة: (في حال كان موضوع الابتزاز صوراً أو فيديوهات خاصة).

التكيف القانوني

بالنسبة للاجتهاد القضائي، توضح الناشطة الحقوقية أقدار ، أنه يتم اللجوء إلى التكييف القانوني؛ إذ يقوم القاضي بتكييف الفعل الإلكتروني (كالتهديد بنشر صورة) تحت نص تقليدي (كالتهديد بإفشاء سر أو الإكراه)، وهذا يمثل صعوبة في الإثبات وتطبيق العقوبة المناسبة لجسامة الجرم الإلكتروني، وهذا ما يجعلنا امام قضايا نؤكد أهمية إصدار قانون خاص بالجرائم المعلوماتية يحدد الأركان الخاصة للجريمة الإلكترونية، ويعرف الابتزاز الإلكتروني بوضوح، ويفرض عقوبات تتناسب مع التطور التقني للجريمة.

الوعي القانوني

وبما يتعلق بالخطوات القانونية للضحية عند التعرض للابتزاز الإلكتروني، تؤكد أقدار ، أنه من الضروري على الضحية أن يكون لديها الوعي اللازم لمواجهة المبتز بطريقة صحيحة ، وذلك عبر التوقف الفوري عن الاستجاب لطلبات المبتز بالمال، وأن لا تحذف أي رسائل، صور، أو محادثات مع المبتز، وتقوم بتصوير شاشات لكافة المحادثات ورسائل التهديد بالتاريخ والوقت، وحفظ رابط الحساب أو الصفحة التي تم منها الابتزاز، و توثيق أي طلبات تحويل مالي أو رقم حساب، والإبلاغ الرسمي للجهات المختصة مثل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية أو قسم الشرطة وتقديم بلاغ رسمي.

كما تؤكد أن ضعف الوعي القانوني لدى المجتمع يعد سبب مباشر في انتشار جريمة الابتزاز الإلكتروني ، خاصة عند النساء اللواتي يخافن من الإبلاغ عن الجريمة خوفاً من الوصم الاجتماعي ، حيث أن هذا الجهل بالعواقب القانونية يشجع المبتز على الاستمرار في فعلته مع ضحايا آخرين ، كما أن نقص معرفة طرق الحماية الرقمية مثل كيفية تأمين الحسابات، يجعل الفتيات هدفاً سهلاً للمبتزين.

الاستنفار النفسي والإجتماعي

العنف القائم على النوع الاجتماعي له تعاريف عده ولعل أهمها إجبار شخص على القيام بشيء ضد إرادته من خلال العنف أو الإكراه أو التهديد أو الخداع أو الضغظ .

من جانب نفسي واجتماعي، توضح الدكتورة رانيا خالد ، خبيرة الدعم النفسي والإجتماعي، ورئيسة منصة المرأة المستقلة، أنه عندما يستمر المبتز في التصعيد، تدخل الضحية في حالة توتر مستمر تشبه “الاستنفار النفسي”، إذ يصبح الخوف حاضراً طوال الوقت، ويزداد شعورها بفقدان السيطرة على حياتها وقراراتها، وهذا الضغط يؤدي إلى اضطرابات في النوم، فقدان الشهية، صعوبة التركيز، وتراجع تقدير الذات بشكل كبير.

و أضافت الدكتورة رانيا، أن الضحية غالباً تشعر بالتهديد في سمعتها وعلاقاتها الاجتماعية، خاصة في مجتمع حساس تجاه قضايا الشرف، مما يضاعف الإحساس بالذنب حتى وهي لم تفعل شيئ، ومع مرور الوقت قد يتحول الضغط إلى حالة من القلق المزمن و الاكتئاب إذا لم تجد الضحية من يساندها أو يساعدها بشكل مهني.

وحول الدعم الاجتماعي والعائلي، تؤكد الدكتورة أن العائلة هم خط الدفاع الأول لها، فوجود أسرة أو محيط يتعامل مع الضحية بهدوء وتعاطف يخفف عنها شعور الخوف والعار، ويجعلها تدرك أنها ليست وحدها في مواجهة الأزمة.

” في مجتمع محافظ مثل اليمن، تختلف النتائج كليًا عندما تشعر الفتاة أنها مسموعة وآمنة داخل أسرتها، وهذا الدعم يمنحها القدرة على مواجهة المبتز، والإبلاغ عنه، واستعادة قوتها النفسية”. حسب ما ذكرته الدكتورة رانيا.

اللجنة الوطنية للمرأة

مع انتهى حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة لهذا العام، كان التركيز في فعاليات العديد من الجهات الحكومية والمجتمعية على قضية الابتزاز الإلكتروني الذي يزداد خطورته عاماً بعد عام ، في ظل مطالب محلية ودولية لحماية النساء في اليمن ، حيث أوضح صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 6.2 مليون امرأة وفتاة يمنية بحاجة إلى خدمات للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له.

عن دور الجهات المعنية سواءً الحكومية أو منظمات المجتمع المدني ، قالت ماريا راشد، مدير الاعلام والمعلومات باللجنة الوطنية للمرٲة، “أن اللجنة الوطنية للمرأة قامت بإعداد مصفوفة قانون حول الابتزاز الإلكتروني للمرٲة” .. مبينة أن اللجنة عملت خلال حملة «16 يومًا»، على نشر الوعي في أوساط المجتمع عبر تنظيم حملة توعوية حول العنف الرقمي تحت شعار ” لا مبرر للعنف الرقمي ” ، بالشراكة مع هيئة الامم المتحدة للمرأة.

و أضافت ، أنه تم تسليط الضوء على أشكال العنف الرقمي ، وطرح سبل مكافحته، مع تعزيز آليات الحماية عبر نشر رابط وحدة الابتزاز الإلكتروني التابعة لمكتب النائب العام لتلقي البلاغات، واستهدفت الحملة حماية النساء عمومًا، بما في ذلك الناشطات والفاعلات في المجتمع، اللواتي أصبحن أكثر عرضة للتشهير والابتزاز والتنمر بسبب أدوارهن الاجتماعية والسياسية والحقوقية، ووفق بيانات رسمية، سُجل خلال عامي 2024–2025 نحو 5,000 بلاغ ابتزاز إلكتروني لدى الجهات المختصة.

توعية مجتمعية وإعلامية

هيفاء العديني، عضو هيئة تحرير منصة هودج، أشارت أن المنصات الرقمية تعطي مساحة لرفع الوعي لدى المجتمع من خلال محتوى توعوي بسيط يشرح مفهوم الابتزاز الإلكتروني، وأشكاله وكيفية التصدي له، باعتبارها سهلة الوصول لتساعد الفتيات والأسر على فهم المخاطر دون تعقيد.

كما أفادت أنه يمكن للحملات الإعلامية عبر المنصات الرقمية أن تلعب دوراً كبيرًا في تشجيع ضحايا الابتزاز الإلكتروني على الإبلاغ دون خوف، خصوصاً في مجتمع محافظ مثل اليمن، حيث الخوف من الوصمة الاجتماعية قد يكون أكبر من الخوف من الجريمة نفسها وهذا يأتي من خلال أن الضحية ليست مسؤولة عن الجريمة وأن المبتز هو الجاني الأساسي ولابد من معاقبته، أيضاً شرح الحماية الرقمية من خلال كيفية حفظ البيانات الرقمية لتخفيف الوقوع في مثل هذه الجريمة.

وحول التحديات التي من الممكن أن تؤثر بشكل سلبي تقول هيفاء: ” أن الحديث عن الابتزاز، خصوصاً عندما يطال فتيات، يعتبر في نظر الكثير “عيباً” أو “فضيحة”، ما يجعل المحتوى التوعوي عرضة للهجوم أو سوء الفهم، ويحد من النقاش المفتوح، لذلك المنصات قد تتعرض لهجمات إلكترونية، أو محاولات اختراق، أو بلاغات مسيئة تهدف لإسكات المحتوى التوعوي”.

وعلى الرغم من الاستمرار في التوعية القانونية والنفسية والاجتماعية والإعلامية في اليمن، لا تزال جرائم الابتزاز الإلكتروني تتفاقم، مخلفة آثارًا نفسية واجتماعية عميقة خاصة للفتيات والنساء، ففي كثير من الحالات، تجدها محاصرة بالخوف والضغط المجتمعي، إلى حد يدفعها إلى التفكير بالموت مرارًا هرباً من واقع أسوأ بنظرها.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews