تقارير و تحقيقات

الجزائر : الأستاذ في الريف قصة صبر وإرهاق وتكيف مع الواقع التعليمي

مولود سعدالله – مراسلين

ككل صباح هادئ من أيام الأسبوع يبدأ الأستاذ الجديد يومه في إحدى المدارس البعيدة عن مسكنه، محملاً بحماس يبدأ به مساراً مهنياً جديداً لكنه يواجه تحديات تتجاوز الكتب والسبورة ، التعيين في مناطق بعيدة تجربة حياتية تتداخل فيها جوانب التعليم و الثقافة والتكيف الشخصي وحتى الحالة النفسية للأستاذ .

يرى أستاذ ( م-ي) بدأ مساره منذ سنوات قليلة أن بعد المدرسة عن مكان سكنه يشكل تحدياً يومياً لكنه لا يكتفي بالشكوى ، فهو يواجه بيئة ثقافية ولغوية مختلفة قد تؤثر على وصول الرسالة التعليمية إلى التلاميذ ” الاختلاف في اللهجات والثقافات يجعل فهم بعض الرسائل التعليمية أحيانا أكثر صعوبة” مؤكداً أن ذلك جزء من التجربة التي تحتاج إلى صبر ومهارة.

في المقابل يرى أستاذ آخر (ط – س) أن التحديات الميدانية ليست مرتبطة بالثقافة بقدر ما تتعلق بقدرة الأستاذ على التكيف والتواصل الأكاديمي، سواء بالعربية الفصحى أو الفرنسية بالنسبة له، التعلم الميداني جزء من مسار الأستاذ والتجربة العملية هي المعلم الأكبر.

أيضا التكوين والحماية مقابل الدعم المادي من أبرز النقاط التي أشار إليها الأساتذة حديثو التعيين ، فهم بحاجة إلى دعم شامل يشمل التكوين والحماية المالية والميدانية ، بعضهم يطالب بزيادة مدة التكوين قبل التحاقه بالميدان، ليتمكن من التعرف على أنواع التلاميذ و طرق التعامل مع أولياء الأمور وأفضل أساليب التفاعل في بيئة جديدة ، كما يؤكدون على أهمية توفير إقامة مناسبة، وحماية إضافية في حال نشوء أي خلاف مع التلاميذ أو أولياء الأمور.

في المقابل يشدد بعض الأساتذة على أن الدعم المالي الفعلي أهم من التكوين، خاصة مع تأخر صرف الرواتب في بداية العام الدراسي، وتكاليف النقل و الإيواء الباهظة في حال التعيين بعيدا ، ويقترح هؤلاء تحديد الحد الأقصى للمسافة بين مسكن الأستاذ ومكان العمل لضمان قدرة الأستاذ على التأقلم وتحمل المسؤوليات اليومية.

و يرى أساتذة آخرون أن جودة التعليم لا ترتبط فقط بالتكوين أو الدعم المادي، بل أيضا بحالة الأستاذ النفسية ومزاجه اليومي ، فالإرهاق المستمر وكثرة الساعات والحجم الساعي الكبير يؤثر على أداء الأستاذ، وبالتالي على جودة التعليم المقدمة للتلاميذ ، لذلك يطالب هؤلاء بتخفيف الحجم الساعي وتوفير أوقات مناسبة للراحة والتوازن النفسي لضمان أن يكون الأستاذ في أفضل حالة ذهنية ومعنوية عند تقديم درسه.

بين مطالب التكوين والحماية واحتياجات الدعم المادي، وأهمية المزاج النفسي والتوازن اليومي، تظل تجربة الأستاذ الجديد في المناطق البعيدة تحديا معقدا، يحتاج إلى رؤية متكاملة من الجهات المسؤولة، فرغم الجهود المبذولة لصالح للأستاذ والتعليم إلا أن الأستاذ محور العملية التعليمية ، ورمزاً للجهد المستمر الذي يضمن استمرار التعليم بجودة وكفاءة رغم صعوباته.
وتبقى تجربة التعيين البعيد للأستاذ مثالا حيا على التحديات اليومية التي يواجها التعليم في الجزائر، مسألة تجمع بين التكيف الشخصي، الدعم المؤسسي والحفاظ على الحالة النفسية، لتشكل صورة كاملة عن الواقع التعليمي في المناطق النائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews