“قرار سياسي أم لإدارة الاستهلاك”.. لماذا قطعت إيران غازها عن العراق؟

علي زم – مراسلين
طهران- يعد توقف صادرات الغاز الإيراني إلى العراق، أكثر من كونه أزمة دبلوماسية، مؤشراً على تلاقي أزمتين هيكليتين: عجز الطاقة في إيران، والعجز المزمن في قطاع الطاقة العراقي. يقول حميد حسيني، الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق، إن صادرات الغاز إلى العراق ستُستأنف فور معالجة المشكلات الداخلية.
وأعاد التوقف المفاجئ لصادرات الغاز الإيراني إلى العراق ملف اعتماد بغداد المعقّد والمثير للجدل على طهران في مجال الطاقة إلى صدارة الأحداث الإقليمية. وهو قرار وإن كانت السلطات العراقية قد وصفته بأنه السبب في خروج آلاف الميغاواط من الكهرباء عن الخدمة، فإن قراءته داخل إيران تُقدَّم على أنه انعكاس مباشر لأزمة الطاقة المزمنة وعجز الغاز داخل البلاد، أكثر من كونه نتيجة ضغط سياسي أو تحول دبلوماسي.
وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية قطع تدفق الغاز الإيراني بشكل كامل، مشيرة إلى خروج ما بين أربعة إلى أربعة آلاف وخمسمئة ميغاواط من الكهرباء من الشبكة الوطنية، وهو رقم كبير أثار فوراً توتراً واسعاً في الإعلام العراقي والإقليمي، وفتح باب الاتهامات السياسية، من «الضغوط الخارجية» إلى «الفساد البنيوي». غير أن فاعلين في قطاع الطاقة داخل إيران يقدّمون رواية مختلفة، معتبرين أن توقف الصادرات ليس قراراً سياسياً، بل نتيجة حتمية لنقص الغاز خلال فصل الشتاء.
وفي هذا السياق، يسعى حميد حسيني، عضو مجلس الإدارة والأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق، في حوار مع موقع «رويداد 24»، ترجمه موقع ميدل ايست نيوز المختص بالشأن الإيراني وتنقله مراسلين بتصرف، إلى تقديم صورة أدق لخلفيات هذا التوقف، مؤكداً بوضوح أنه «مؤقت وطبيعي».
قطع صادرات الغاز في الشتاء ليس أمراً جديداً
يعتبر حميد حسيني أن توقف صادرات الغاز إلى العراق مسألة مؤقتة وطبيعية. وقال في هذا الشأن إن «توقف صادرات الغاز إلى العراق ناجم عن نقص الغاز الذي نواجهه حالياً داخل البلاد، وهو أمر له سوابق في السنوات الماضية».
وفي إشارة إلى أن الاتفاق مع العراق قائم على أساس الكميات، قال: «وفقاً للاتفاقات القائمة، من المفترض أن نصدّر إلى العراق 20 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. يتم تصدير معظم هذه الكمية خلال فصلي الربيع والصيف، حين يكون وضع الإمدادات جيد، فيما يجري تقليص الصادرات في الخريف والشتاء، وأحياناً تُوقف الصادرات كلياً خلال فصل الشتاء».
وشدد عضو اتحاد مصدري المنتجات النفطية والبتروكيماوية على أنه بمجرد حل المشكلات الداخلية في إيران، ستُستأنف صادرات الغاز وتستمر وفق المسار المعتاد.
هل يتفهم العراق الوضع؟
وبشأن مدى تأثر وضع الصادرات الحالي بالتفاعلات السياسية والأمنية بين إيران والعراق، قال حسيني: «هذا الموضوع لا يحمل بعداً سياسياً. فالعراق يعتمد على الغاز الإيراني لتأمين نحو أربعة آلاف ميغاواط من كهربائه. ونظراً لانخفاض استهلاك الكهرباء لديهم في الشتاء بسبب عدم استخدام أجهزة التكييف وظروف الطقس، فإن قطع صادرات الغاز لا يسبب لهم مشكلة كبيرة».
وأضاف: «العراق يدرك وضعنا، ويعلم أننا نضطر إلى خفض الضغط أو قطع الإمدادات عن مصانع البتروكيماويات وقطاعات الصناعة بسبب أزمة الغاز في إيران، وبالتالي لا تتوافر إمكانية التصدير في هذه المرحلة».
وعلى الرغم من تأكيد الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق على أن توقف الصادرات غير سياسي، فإن ردود الفعل الرسمية في بغداد تظهر أن اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية أعمق بكثير مما يمكن تجاوزه بسهولة. فقد أعلنت وزارة الكهرباء العراقية أن الانقطاع الكامل للغاز الإيراني أدى إلى خروج ما بين 4000 إلى 4500 ميغاواط من القدرة الإنتاجية عن الخدمة، وهو ما تصدر عناوين وسائل الإعلام العراقية والعربية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن إيران تؤمّن ما بين 33 و40 في المئة من احتياجات العراق من الغاز والكهرباء، وهي حصة تجعل بغداد شديدة التأثر بتقلبات قرارات طهران. وفي عام 2023، وقّع البلدان اتفاقاً يهدف إلى ضمان استمرار تزويد محطات الكهرباء العراقية بالوقود، يقوم على مبدأ مقايضة النفط الخام بالغاز، وهو اتفاق يعكس عمق أزمة الطاقة في العراق، رغم امتلاكه موارد نفطية وغازية هائلة.
الضغط الأميركي والعقوبات ومأزق الطاقة في بغداد
بلغ اعتماد العراق على واردات الطاقة من إيران حداً دفع الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية إلى منح بغداد إعفاءات من العقوبات، سمحت لها بدفع كلفة استيراد الكهرباء والغاز من إيران. غير أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألغت هذا الإعفاء في شهر مارس، في خطوة جرى تقييمها في إطار سياسة «الضغط الأقصى» على طهران، ما قيّد فعلياً قدرة بغداد على التعامل المالي مع إيران.
وذكرت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية في تقرير لها أن جذور أزمة الكهرباء في العراق لا تعود فقط إلى قطع الغاز الإيراني، بل إلى عدم الاستقرار السياسي، والفساد البنيوي، وضعف الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة، إضافة إلى نظام دعم غير فعّال يوفّر الكهرباء للمواطنين بأسعار شبه مجانية، ما أفقد الدولة القدرة على تطوير الشبكة وتحديثها.
وإلى جانب هذه العوامل، لا يزال العراق، رغم امتلاكه احتياطيات ضخمة من الغاز، عاجزاً عن السيطرة على الغاز المصاحب لاستخراج النفط، ويقوم بحرق جزء كبير منه، وهو هدر مكلف يزيد من اعتماد البلاد على واردات الطاقة.
أزمة مشتركة… وكلفة غير متوازنة
في كل مرة يصل فيها نقص الغاز داخل إيران إلى مستوى حرج، تظهر أولى تداعياته خارج الحدود، وتحديداً في شبكة الكهرباء العراقية، حيث لا تمتلك البنية التحتية المتهالكة والاعتماد الشديد على الواردات القدرة اللازمة على الصمود.
وتُظهر تصريحات حميد حسيني أن هذا التوقف، من وجهة نظر القطاع الخاص، ليس قراراً سياسياً، بل جزء من نمط متكرر لإدارة أزمة الطاقة في إيران، وهو نمط سيستمر ما لم تُجرَ إصلاحات جذرية في هيكليتي الإنتاج والاستهلاك.



