أخبارتقارير و تحقيقاتسلايدرعربي و دولي

فوبيا “إدوارد سنودن”.. كيف تم تسريب الوثائق الأمريكية من حصون البنتاغون؟ وكيف تم نشرها؟

منذ أن ظهرت الوثائق الأمريكية المسربة على الانترنت، والولايات المتحدة الأمريكية، لا تهدأ ولا تنام مؤسساتها، حتى تعرف مصدر هذه التسريبات التي خرجت من كهوف وحصون وزارة الدفاع الأمريكية ” بنتاغون”، والتي لا يستطيع مسئول أمريكي وليس مجرد أي شخص عادي، بأن يمر من أمام هذا الحصن الحصين، حتى تعرف الأجهزة الأمريكية، من هو وكم عدد خصلة في شعره، وكم عدد كرات الدم الحمراء والبيضاء في جسده، إلا أنها لم تتوصل حتى الآن لمصدر هذه التسريبات.

ليعد هذا التسريب من أكبر الهزائم الاستخباراتية التي تلقتها الأجهزة الأمريكية العتيدة، وللمرة الأولى في تاريخها، حتى أن أثر هذه الهزيمة بدا واضحا من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي قال أمس الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لن تترك حجر فوق حجر، حتى تعرف مصدر هذه التسريبات، وستواصل التحقيق في تسريب هذه الوثائق السرية الخطيرة التي تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حتى تعرف مصدره.

واحتوت هذه التسريبات التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي مارس الماضي على معلومات خطيرة، وتكشف ما يُفترض أنها تفاصيل القدرات العسكرية لبعض حلفاء الولايات المتحدة وخصومها.

وأضاف أوستن، وهو أول مسؤول أمريكي كبير يعلق على التسريب، أن وزارة الدفاع تعلم بأنه جرى نشر الوثائق بتاريخ 28 فبراير والأول من مارس لكنها لا تدري إن كانت هناك وثائق نُشرت على الإنترنت قبل ذلك التاريخ.

كيف انتشرت الوثائق المسربة؟

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أسابيع من اكتشاف الوثائق الأمريكية المسربة من البنتاغون، كانت مجموعة كبيرة من هذه الوثائق، تتنقل بين مجموعة منسية من المستخدمين على أحد برامج التواصل الاجتماعي.

وفجأة في أحد أيام شهر يناير الماضي، وعلى غفلة من الجميع، أخذ أحد الأعضاء ضمن مجموعة لا تقل عن 12 مستخدماً على منصة “ديسكورد” Discord المجانية المصممة أساساً لمجتمع الألعاب الإلكترونية، في نشر عدد من الملفات الاستخباراتية الأمريكية الشديدة السرية .

وتضمنت الملفات تفاصيل عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومعلومات حول تجسس الولايات المتحدة على اتصالات مهمة لدول حليفة لها، من بينها محادثات هاتفية بين قادة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” ومناقشات بين أعضاء مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية بشأن بيع ذخيرة يمكن أن تنتهي في يد الأوكرانيين، أضف إلى ذلك تفاصيل تتناول الاختراق الأمريكي للخطط العسكرية الروسية، وقضايا أخرى.

وبحسب “وول ستريت جورنال”، بقي تداول تلك الوثائق في مارس، وعددها بلغ المئات، محصوراً بين أعضاء المجموعة الصغيرة على منصة “ديسكورد”، إلى أن أعاد مستخدم آخر مشاركة العشرات منها مع مجموعة أخرى ولكن تضم عدداً أكبر من المستخدمين. ومن هناك، أُرسلت 10 ملفات إلى مجموعة أكبر ضمن المنصة تواظب على ممارسة لعبة الكمبيوتر “ماين كرافت” Minecraft.

ووسط غفلة الحكومة الأمريكية، بدأ يوم الأربعاء الماضي، أحد الحسابات الدعائية الروسية على “تيليغرام” نسخة معدلة من إحدى الوثائق المسربة، إلى جانب عدد قليل من الوثائق غير المعدلة.

فبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ”أف بي آي” ووزارة العدل الأمريكية سعياً محموماً واسع النطاق للعثور على إجابات تفسر ظهور عشرات الصور لوثائق يُزعم أنها سرية يتداولها مستخدمون على الإنترنت.

وبدوره، يبحث تحقيق حكومي أمريكي، الجمعة الماضية، بناء على طلب وزارة الدفاع عن مصدر التسريب.

أثر هذه التسريبات؟

وقالت متحدثة باسم البنتاغون، إن الوزارة تعكف على مراجعة وتقييم صحة الوثائق المصورة “التي يبدو أنها تحتوي على مواد حساسة وشديدة السرية”، وأوضحت أن الولايات المتحدة تناقشت في هذه الأزمة مع الحلفاء، وتدرس التأثير المحتمل الذي يطرحه هذا الانتهاك على الأمن القومي.

وقال مسئولون إن التسريب الاستخباراتي يتجه إلى أن يصبح أحد أكثر التسريبات الأمريكية فداحة وضرراً منذ عقود مضت، موضحين أن الكشف عن الوثائق يجهض الهجوم المضاد الذي تعول عليه كييف في الربيع المقبل، إذ يفضح خططاً تفصيلية وضعتها الولايات المتحدة بشأن المعدات الحربية التي ستقدمها دول غربية إلى أوكرانيا هذا الربيع، من بينها دبابات وعربات مدرعة، بالإضافة إلى برامج تدريبية للقوات الأوكرانية تتولاها دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

كذلك سيمنع التسريب، على الأرجح، أي استعداد من جانب حلفاء الولايات المتحدة الأجانب لمشاركة معلومات حساسة مع حكومة هذه البلاد. وليس مستبعداً أن يفضح مصادر الاستخبارات الأمريكية داخل روسيا ودول معادية أخرى.

كما أن التسريب يؤكد حقيقة واحدة مفادها أنه بعد مرور 10 سنوات، على عملية تسريب ضخمة لوثائق مصنفة بأنها شديدة السرية نفذها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، من بينها أكبر مشروع أمريكي للتجسس الرقمي “بريسم” وأنشطة استخباراتية أخرى، ما زالت الحكومة الأمريكية عاجزة عن صد انتهاكات على هذه الشاكلة والحؤول دونها.

الوثائق التي ظهرت حتى الآن تزيد على 50 وثيقة موزعة ما بين التصنيفين “سري” أو “شديد السرية”، وقد اطلعت عليها صحيفة “وول ستريت جورنال” وصحيفة ” نيويورك تايمز” وعدد من محللي الاستخبارات المستقلين، علماً أنها عبارة عن صور مأخوذة لمستندات خاصة بعروض تقديمية وملفات طُبعت على ورق بحجم “أي 4″، ويبدو أنها قد طُويت مرتين بغية تسهيل تهريبها من إحدى المنشآت الأمنية.

وتساءل الصحيفة: “من يملك حق الوصول إلى هذه المعلومات، وإلى المئات غيرها التي نُشرت ضمن مجموعة المستخدمين الأولى التي تداولتها بين يناير ومارس، ومتى أمكنه ذلك، وما مدى أهمية الأسرار التي تحتوي عليها هذه الملفات؟”.

وشرع مكتب التحقيقات الفيدرالي في عمله فعلاً بحثاً عمن يملك الدافع لكشف النقاب عن تلك الوثائق، ومن يمكنه النفاذ إليها، ومن ارتكب جريمة الخيانة هذه، بحسب ما ذكر جوشوا سكول، مسؤول تنفيذي كبير سابق في الـ”أف بي آي”، علماً أن عناصر عدة تظهر في هوامش الصور الملتقطة للوثائق، من بينها غراء لاصق من “غوريلا”، وأحذية، وتعليمات خاصة باستخدام منظار GlassHawk HD، وهذه معلومات تساعد لا ريب في البحث عن الفاعل.

وقال مسئولون حاليون وسابقون إن تحقيقات التسريب تبدأ عادة بتحديد الأشخاص الذين يملكون الحق في الوصول إلى الوثائق، علماً أن المئات من موظفي الحكومة لديهم تصاريح أمنية تسمح لهم بالاطلاع عليها.

و شكلت تسريبات الوثائق تكتيكاً شائعاً خلال الحرب في أوكرانيا، ولكن وفق المحللين يعتبر نشر ملفات الاستخبارات الأميركية على “ديسكورد”، وهي خدمة دردشة عبر الإنترنت يهواها لاعبو ألعاب الفيديو، نمطاً مختلفاً ومحيراً إلى حد ما.

حتى أن عملية التسريبات هذه، جعلت أعضاء مجموعات “ديسكورد” تسارع إلى حذف حساباتهم من المنصة وتنظيف خوادمهم، خشية العقاب من الحكومة الأمريكية وجذب الاهتمام غير المرغوب فيه من وكالات الاستخبارات الأجنبية.

وغرد أحد رواد “ديسكورد” الذي كان حمل بعض الملفات المسربة إلى مجموعة “ماين كرافت”، مزيلاً كلامه برمز “إيموجي” يذرف الدموع، قائلا: “لقد غادرت هذا الخادم وآمل أن أكون بأمان” [في منأى من نتائج التسريبات]”.

وقال متحدث باسم “ديسكورد” إن الأخيرة تتعاون مع سلطات إنفاذ القانون بشأن التحقيق في التسريب. وقال: “من أهم أولوياتنا ضمان تجربة آمنة لمستخدمينا. لما كان التحقيق ما زال جارياً، لا يمكننا تقديم أي تصريحات إضافية في الوقت الحالي”.

وبالعودة إلى عام 2013 وخرق سنودن الذي أصبح مواطناً روسياً، فقد قال حينها إن دافعه كان وجود مواطنيه تحت مراقبة يومية دائمة في انتهاكٍ صارخ ليس لمبادئ الدستور الأمريكي فحسب، بل أيضاً للقيم الأساسية لأي مجتمع حر. ولكن يا ترى ما تبريرات مسرب الوثائق الأخيرة عندما تكشف التحقيقات هويته وكيف سيسوغ فعلته؟

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews