مقالات

التنبؤات بتاريخ تحرير فلسطين، أوهام تتبدد أم آمال تتجدد

بقلم : د. أحمد أحمد

تتكرر في مجتمعاتنا موجات من التوقعات حول موعد تحرير فلسطين، يروج لها البعض اعتماداً على حسابات الأرقام أو تأويلات بعض الآيات القرآنية/الأحاديث النبوية أو اجتهادات شخصية ترتبط بزوال الاحتلال بعد فترة زمنية معينة قياساً على التجارب السابقة لوجوده على أرض فلسطين.

لا يملك أي منا علم الغيب، ولم يدّع أحد من هؤلاء الذين أصدروا هذه التوقعات ذلك، وإنما أرادوا بحسن نية زرع الأمل في النفوس بناءً على قراءتهم للماضي والحاضر واستقرائهم للمستقبل، وكذلك بناءً على فهمهم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لكن التجارب أثبتت أن هذه التنبؤات عندما لا تتحقق تُخلّف إحباطاً ويأساً في نفوس الكثير من الناس، بل قد تدفعهم إلى فقدان الثقة وإلى تكرار دوامة الانتظار السلبي.

إن الانشغال بهذه الحسابات والتواريخ ليس سوى شكل من أشكال الوهن، فهي تصرف الناس عن حقيقة الصراع، وتحوّلهم من صانعين للأحداث إلى متفرجين بانتظار “ساعة الخلاص” أو “المخلِّص”. وهنا يكمن الخطر عندما تترسخ الاتكالية على الغيب دون سعي، وتزرع خيبة الأمل عند كل موعد يمرّ دون أن يحدث شيء.

الإيمان بالقدر لا يعني انتظار التغيير بلا عمل. بل هو يقين بأن التغيير مشروط بالسعي “إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد: 11)، لذلك فإن تحرير الأرض، أو تحقيق أي هدف كبير، لا يتحقق عبر الأمنيات ولا عبر انتظار تاريخ محدد، إنما يتحقق بالإعداد الجاد، بالعلم، بالوحدة، بتربية الأجيال، وببذل الجهد في جميع المجالات؛ العسكرية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الدينية والإعلامية.

إن الانتظار السلبي يقتل الهمم، بينما المشاركة الفاعلة تصنع الأمل وتوصلنا إلى الهدف. كل إنسان يستطيع أن يكون جزءاً من صناعة الحدث، عبر ما يقدّمه في موقعه وحسب قدرته، وهذا ما سنُسأل عنه أمام الله، ماذا فعلنا؟ ماذا كان دورنا في تحقيق التحرير، حتى لو حدث بعد وفاتنا بعقود؟

التغيير لا يُهدى إلينا، ولن نصحوا من النوم لنجد الواقع قد تغير لوحده، بل يُنتزع بالعمل والوعي والصبر. واجبنا أن نكون صُنّاع التاريخ، لا مجرد شهود على ما يجري. كل جهد صادق يقترب بنا خطوة نحو الهدف، وكل وهم يُعيدنا خطوات إلى الوراء.

لذلك ينبغي الحذر من الانجرار وراء التنبؤات والآمال المبنية على الحسابات والتواريخ والاستدلالات التي تحتمل الصواب والخطأ. فهي تزرع وهماً مؤقتاً، يتبعه يأس طويل، بل والأسوأ أنها تُلهي عن العمل الدؤوب، بل وتقود إلى الخمول طالما أن النصر سيأتي لوحده. إن الحل الحقيقي هو أن نعمل، وأن نشارك في صناعة التغيير، وأن نبني واقعاً يقودنا إلى النصر والتحرير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews