هجوم على الشرعية الدولية بالسودان: مليشيا الدعم السريع تستهدف مقر الأمم المتحدة بكادوقلي

ممدوح ساتي -مراسلين
في تطور بالغ الخطورة، تعرّض مقر تابع للأمم المتحدة في مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان لهجوم بطائرات مسيّرة، في اعتداء وُصف بأنه الأخطر منذ اندلاع الحرب، وأعاد إلى الواجهة سؤالاً ظل مؤجلاً: إلى أي حدّ يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في التعامل مع مليشيا الدعم السريع كطرف نزاع، لا كمنظمة خارجة عن القانون الدولي؟
الهجوم، الذي أوقع قتلى وجرحى في صفوف قوات حفظ السلام وألحق أضراراً مباشرة بمنشآت أممية محمية بموجب القانون الدولي، قوبل بإدانة واسعة، واعتبرته الأمم المتحدة «انتهاكاً صارخاً» قد يرقى إلى جريمة حرب، فيما حمّلت الحكومة السودانية والجيش السوداني مليشيا الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن العملية.
الاعتداء: رسالة نار إلى المجتمع الدولي
لم يكن استهداف مقر أممي حدثاً عارضاً أو خطأً ميدانياً، بل حمل دلالات سياسية وعسكرية عميقة.
فالهجوم جاء في توقيت تشهد فيه الساحة الدولية تصاعداً في التقارير الموثقة حول الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، من قتل المدنيين، إلى استهداف المستشفيات والأسواق، واستخدام الطائرات المسيّرة كسلاح ترهيب في مناطق مأهولة.
ضرب مقر الأمم المتحدة، بكل ما يمثله من رمزية للشرعية الدولية وحماية المدنيين، يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره انتقالاً من مرحلة التمرّد المسلح إلى مرحلة تحدّي النظام الدولي نفسه.
من “قوة موازية” إلى كيان معزول: هل اقترب تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية؟
تراكم الانتهاكات… واللحظة الفاصلة
على مدى أشهر، تعاملت قوى دولية مع الدعم السريع بمنطق “احتواء الفوضى” ومحاولة إدخاله في مسارات تفاوضية. غير أن مسار الأحداث، وخاصة الهجمات الممنهجة على المدنيين والمنشآت الإنسانية، بدأ يدفع هذا المنطق إلى حافة الانهيار.
استهداف مقر أممي شكّل، وفق دبلوماسيين ومراقبين، الخط الأحمر الذي يصعب بعده التذرع بأن الدعم السريع مجرد طرف نزاع داخلي. فالقانون الدولي يضع حماية بعثات الأمم المتحدة في مرتبة غير قابلة للتأويل، وأي اعتداء عليها يفتح الباب تلقائياً أمام توصيفات أشد، من بينها الإرهاب المنظّم.
الاتجاه الأمريكي: من العقوبات إلى التصنيف
الولايات المتحدة كانت من أوائل الدول التي فرضت عقوبات على قادة في الدعم السريع، متهمة إياهم بتقويض السلام وارتكاب انتهاكات جسيمة. لكن في ضوء التطورات الأخيرة، يتزايد داخل واشنطن – خصوصاً في أوساط الكونغرس ومراكز صنع القرار – الحديث عن أن العقوبات لم تعد كافية.
تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية، إن تم، لن يكون خطوة رمزية، بل تحوّلاً استراتيجياً يعني:
- تجريم أي دعم مالي أو لوجستي مباشر أو غير مباشر للمليشيا.
- عزلها بالكامل عن النظام المالي الدولي.
- ملاحقة شبكات الإمداد والداعمين الإقليميين والدوليين.
- إغلاق أي نافذة لشرعنتها سياسياً تحت لافتة “التفاوض”.
الأمم المتحدة بين الإدانة والاختبار
الأمم المتحدة، التي دأبت على استخدام لغة متوازنة تجاه أطراف النزاع، تجد نفسها اليوم أمام اختبار مصداقية. فالهجوم على أحد مقارها لا يهدد موظفيها فحسب، بل يقوّض قدرتها على العمل الإنساني في السودان ككل.
مصادر أممية تشير إلى أن النقاش لم يعد محصوراً في الإدانة، بل انتقل إلى كيفية حماية البعثات الإنسانية، ومساءلة الجهة التي باتت تشكّل خطراً مباشراً عليها، وهو مسار قد يقود، سياسياً وقانونياً، إلى دعم خطوات أكثر حزماً ضد الدعم السريع.
ماذا يعني ذلك للجيش السوداني؟
في حال مضى المجتمع الدولي – أو الولايات المتحدة منفردة – في تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية، فإن المشهد سيتغيّر جذرياً:
تعزيز الشرعية الدولية للجيش السوداني بوصفه المؤسسة النظامية المسؤولة عن حماية الدولة والمدنيين.
دعم سياسي وأمني أوسع لجهود فرض القانون وتأمين المناطق المدنية.
تضييق الخناق على المليشيا وحرمانها من أي غطاء دبلوماسي أو لوجستي.
فتح مسار حقيقي للمحاسبة الدولية عن الجرائم المرتكبة.
ما بعد الهجوم ليس كما قبله
هجوم الدعم السريع على مقر الأمم المتحدة لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل تحوّل نوعي في طبيعة الصراع.
إنه اعتداء على فكرة الحماية الدولية ذاتها، ورسالة فوضى موجهة إلى العالم.
ومع هذا الهجوم، يبدو أن نافذة التساهل الدولي تضيق سريعاً، وأن السؤال لم يعد: هل سيتم تصنيف الدعم السريع؟
بل: متى، وبأي كلفة، ومن سيتأخر عن اتخاذ القرار؟




