إيران تمتنع عن التعليق على التطورات الأخيرة في العلاقات مع لبنان

علي زم – مراسلين
طهران- أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن أمله في أن يتم استكمال مسار مباشرة السفير الإيراني الجديد لدى لبنان «بشكل طبيعي»، من دون أن يبدي تعليقًا على التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين.
وأوضح إسماعيل بقائي، خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأحد 14 ديسمبر، قائلًا: «في ما يتعلق ببقية التصريحات حول العلاقات بين إيران ولبنان، نفضّل الامتناع عن أي تعبير من شأنه أن يصرف لبنان عن التركيز على صون سيادته الوطنية ووحدة أراضيه».
وجاءت إشارة بقائي إلى أمله في أن تسير عملية مباشرة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت «بشكل طبيعي»، ردًا على سؤال الصحفيين حول «الأنباء المتداولة التي تفيد بأن وزير الخارجية اللبناني يعرقل استكمال المسار الإداري المتعلق بتقديم السفير الإيراني الجديد، ويقوم بعرقلة هذا الإجراء».
ولم ينفِ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية مسألة «العرقلة»، مكتفيًا بالقول: «العلاقة الدبلوماسية بين إيران ولبنان علاقة قديمة ولا تزال قائمة، ولدينا سفير في لبنان، كما أن السفير اللبناني الجديد في طهران باشر مهامه مؤخرًا».
وكانت صحيفة «الأخبار» اللبنانية قد أفادت، يوم السبت، بأن وزارة الخارجية اللبنانية امتنعت عن استكمال الإجراءات القانونية اللازمة، ولم تعلن موافقتها الرسمية على تعيين السفير الإيراني الجديد، ما أدى عمليًا إلى توقف إيفاده إلى بيروت.
وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي احتفظ باسم السفير الإيراني المقترح في مكتبه من دون استكمال الأصول القانونية، ولم يحله حتى الآن إلى مجلس الوزراء.
وبحسب التقرير، الذي لم تؤكده مصادر رسمية، فإن وزير الخارجية اللبناني لم يرسل نسخة من أوراق اعتماد السفير الإيراني المقترح إلى القصر الجمهوري، كما لم يبلغ طهران بالموافقة الرسمية اللبنانية على هذا التعيين، وهو ما حال فعليًا دون إرسال السفير الإيراني الجديد إلى بيروت.
استمرار اعتراض لبنان على التدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية
تأتي التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، والتي قال فيها: «في ما يتعلق ببقية التصريحات حول العلاقات بين إيران ولبنان، نفضّل الامتناع عن أي تعبير من شأنه أن يصرف لبنان عن التركيز على صون سيادته الوطنية ووحدة أراضيه»، في أعقاب مرحلة جديدة من التوتر بين مسؤولي البلدين في هذا الملف.
ففي 22 نوفمبر، كتب عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في منشور على منصة «إكس» أن «إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان»، مضيفًا أنه يدعو نظيره اللبناني إلى الحوار، مشيرًا إلى أنه «لا حاجة إلى دولة ثالثة» في هذا السياق.
غير أنه بعد ذلك، وفي 26 نوفمبر، قال علي أكبر ولايتي، المستشار الأعلى لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشؤون الدولية، في مقابلة مع وكالة «تسنيم» إن «وجود حزب الله اليوم بات أكثر ضرورة للبنان من الماء والغذاء»، مؤكدًا أن «إيران دعمت وستواصل دعم حزب الله ومحور المقاومة».
وفي اليوم نفسه، وردًا على هذه التصريحات، كتب وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، في منشور على منصة «إكس» موجّهًا كلامه إلى عباس عراقجي: «كنت أرغب فعلًا في تصديق قولكم إن إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان، إلى أن ظهر مستشار مرشدكم وعلّمنا ما هو الأمر ‘المهم’ في لبنان، وحذّرنا من عواقب نزع سلاح حزب الله».
وعقب هذا المنشور، وجّه عباس عراقجي رسالة رسمية دعا فيها يوسف رجي إلى زيارة طهران في المستقبل القريب، لإجراء محادثات حول العلاقات الثنائية وبحث التطورات الإقليمية.
إلا أن رجي أعلن لاحقًا أنه لا يقبل حاليًا الدعوة لزيارة طهران، واقترح بدلًا من ذلك أن تُجرى المحادثات مع إيران في دولة ثالثة محايدة، وعلى أساس تجنب أي تدخل في الشؤون الداخلية.
وفي رد على هذا الموقف، وصف عباس عراقجي تصريحات وزير الخارجية اللبناني بشأن رفض زيارة إيران بأنها «مدعاة للدهشة»، وكتب على منصة «إكس» أن من «الواضح» أن وزيري خارجية البلدين «لا يحتاجان إلى مكان محايد للقاء».
وفي مقابل محاولات وزير الخارجية الإيراني لتهدئة الأجواء، قوبل هذا التصريح أيضًا برد حاد جديد من نظيره اللبناني.
إذ كتب وزير الخارجية اللبناني في منشور آخر: «دور إيران في لبنان والمنطقة سلبي للغاية، وطهران، بسياساتها الحالية، تُعد أحد مصادر عدم الاستقرار في المنطقة، ولا سيما في لبنان».
وعقب الحرب الأخيرة والقصف الشديد الذي تعرضت له الضاحية، طرحت الولايات المتحدة خطة للمساعدة في إعادة إعمار لبنان وانسحاب إسرائيل من مناطق لا تزال تحتلها في جنوب البلاد. وقد صادقت الحكومة اللبنانية على هذه الخطة، التي تتضمن نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة، بما فيها حزب الله، غير أن الأخير رفض الالتزام بها.
وتعتبر الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، في حين أن الاتحاد الأوروبي أدرج جناحه العسكري فقط على اللائحة السوداء، ولا يصنّف جناحه السياسي كمنظمة إرهابية. ويتمتع الجناح السياسي لحزب الله بتمثيل في البرلمان اللبناني.
وتعرض الحزب، خلال الحرب التي اندلعت العام الماضي مع إسرائيل، لضربات قاسية، قُتل خلالها عدد كبير من أعضائه وقادته، وفي مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله. كما دُمّرت أجزاء واسعة من بنيته التحتية ومعداته خلال تلك الحرب.
وقال رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون، في 17 نوفمبر، مؤكدًا أن «دور الجناح العسكري لحزب الله قد انتهى»: «يأتي مسؤولو حزب الله إليّ ويدركون هذه الحقيقة، لكنهم يسعون إلى نهاية كريمة وحل يحفظ ماء الوجه».
وأضاف الرئيس اللبناني في اليوم نفسه أنه، خلال لقائه علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، تحدث معه بلهجة شديدة، وقال له: «أنا مسؤول عن شيعة لبنان، وليس أنت».
وأشار جوزف عون بذلك إلى زيارة لاريجاني إلى لبنان في أغسطس الماضي، حيث التقى خلالها عددًا من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
وقال عون، في مقابلة مع موقع «أساس ميديا» نُشرت في 17 نوفمبر، تعليقًا على ذلك: «سمع مني كلامًا قاسيًا للغاية، وكان واضحًا أنه صُدم».
وتابع: «هذا الموقف، وحتى ما هو أشد منه، جعله يحاول السيطرة على أعصابه إلى حد أن ساقيه بدأتا بالارتجاف. غادر القصر بوجه مكفهر. طلب موعدًا جديدًا للقاء، لكنني لم أوافق».



