سنوات من الانتظار والخوف: هل يعيد قرار التجديد التلقائي للإقامات الكرامة للمقيمين في فرنسا؟

سارة جودي – مراسلين
عرف ملف تجديد تصاريح الإقامة الطويلة الأمد في فرنسا اهتماما غير مسبوق في الصحافة والنقاشات السياسية، خاصة بعد أن صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) لصالح مشروع قانون يقضي بالتجديد التلقائي لتصاريح الإقامة طويلة الأجل (بطاقات الإقامة متعددة السنوات وبطاقات المقيم لمدة عشر سنوات)، فقد تحوّل تجديد تصاريح الإقامة في فرنسا من إجراء إداري روتيني إلى معاناة حقيقية لآلاف الأجانب المقيمين بصفة قانونية. فصعوبة الحصول على مواعيد لدى المحافظات، و التأخير المتكرر في معالجة الملفات، و الاعتماد شبه الكلي على منصات رقمية مكتظة، أدت إلى وضع إنساني وقانوني بالغ الهشاشة، رغم أن الغالبية الساحقة من هذه الملفات تُقبل في نهاية المطاف وفقا لما صرحته به نائبة البرلمان النائبة الاشتراكية كوليت كابديفيل.

حيث تشير تقارير إعلامية وحقوقية إلى أن آجال معالجة طلبات تجديد الإقامات خاصة طويلة الأجل قد تمتد لأشهر طويلة، وأحيانا تتجاوز سنة كاملة. وخلال هذه الفترة يجد كثير من الأجانب أنفسهم في وضع قانوني غير مستقر، رغم احترامهم للقانون وتقديمهم الطلبات في الآجال المحددة. هذا التأخير لا يبقى حبيس الأوراق، بل ينعكس مباشرة على الحياة اليومية: فقدان الوظيفة بسبب انتهاء صلاحية الوثيقة، صعوبة أو استحالة استئجار مسكن، وتعليق أو انقطاع التغطية الصحية والاجتماعية، ما يضع الأفراد والعائلات أمام واقع اجتماعي قاس.
في حين اتهمت منظمة العفو الدولية فرنسا بـ«التقصير»، مشيرة إلى ما وصفته بـ«عيوب الإدارة الفرنسية» في إدارة ملفات الإقامة والعمل. وأكدت المنظمة أن التعقيدات الإدارية والتأخيرات المزمنة في معالجة الطلبات تضع العمال الأجانب في وضع هش، وتفتح الباب أمام أشكال متعددة من الاستغلال المهني، حيث يخشى كثيرون المطالبة بحقوقهم الأساسية خوفا من تعقيد ملفاتهم الإدارية أو فقدان وضعهم القانوني وإقامتهم.
أمام هذا الواقع، عاد الملف بقوة إلى قبة البرلمان الفرنسي، خلال مناقشة مشروع قانون يقضي بالتجديد التلقائي لتصاريح الإقامة طويلة الأجل، قدمت النائبة الاشتراكية كوليت كابديفيل انتقادا لاذعا للنظام الحالي، قائلة بتهكم: «لقد حقق النظام الحالي إنجازا لافتا: الانسداد، وذلك بسبب 1% فقط من إجمالي الملفات». وأضافت أن طول فترات الانتظار وصعوبة الحصول على المواعيد، خاصة بسبب اكتظاظ المنصات الرقمية المخصصة لإيداع الطلبات، يؤدي إلى انتهاكات حقيقية للحقوق، تصل إلى فقدان الوظائف وعدم القدرة على السكن وانقطاع التأمينات الصحية، وختمت بعبارة قوية لخصت جوهر الأزمة: « يتسبب الجهاز الإداري نفسه في حالة من عدم الاستقرار… نحن نصنع أشخاصا بلا وثائق»
استجابة لهذه الانتقادات، صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية في قراءة أولى على مشروع قانون يسمح بالتجديد التلقائي لبطاقات الإقامة طويلة الأجل (متعددة السنوات وبطاقات العشر سنوات)، ما لم تقدم الإدارة أسبابا قانونية واضحة للرفض، مثل الإخلال الخطير بالنظام العام. ويهدف هذا المشروع إلى تخفيف العبء عن المحافظات، وضمان الاستقرار القانوني للمقيمين الذين أثبتوا اندماجهم واحترامهم للقانون، إضافة إلى الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي تطال العمال وأرباب العمل على حد سواء.
ورغم الترحيب الواسع من اليسار والمنظمات الحقوقية، أبدت الحكومة الفرنسية تحفظات على المشروع، محذرة من مخاطر قانونية ودستورية مرتبطة بالتجديد التلقائي دون مراجعة فردية دقيقة. وينتظر النص الآن مناقشة مجلس الشيوخ، حيث يُتوقع إدخال تعديلات تمنح صلاحيات أوسع للإدارة في حالات محددة. ويرى مراقبون أن تمرير النص ولو بصيغة معدلة، بات ضرورة في ظل أزمة إدارية موثقة وتداعيات اجتماعية لم يعد من الممكن تجاهلها.



