عربي و دولي

زلزال دبلوماسي في القرن الأفريقي: إسرائيل تمنح “أرض الصومال” اعترافاً يكسر عزلة العقود

ضيف الله الطوالي – مراسلين

لم يكن يوم الجمعة، السادس والعشرين من ديسمبر 2025، يوماً عادياً في موازين القوى المطلة على البحر الأحمر. فبينما كان العالم يترقب هدوء أعياد الميلاد، خرج بنيامين نتنياهو من تل أبيب ليعلن عن خطوة وصفتها الأوساط الدبلوماسية بـ”المغامرة الكبرى”: اعتراف إسرائيل الرسمي بـ “جمهورية أرض الصومال” (صوماليلاند) كدولة مستقلة ذات سيادة. هذا الإعلان، الذي لم يكن وليد الصدفة بل نتاج هندسة استخباراتية أشرف عليها “الموساد”، وضع القرن الأفريقي فوق صفيح ساخن، وأعاد رسم خارطة التحالفات في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيداً.

توقيع في الظل

في كواليس مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبحضور وزير الخارجية “جدعون ساعر”، ورئيس أرض الصومال “عبد الرحمن محمد عبد الله”، وُقع الميثاق الذي طال انتظاره في “هرجيسا” لأكثر من ثلاثة عقود. الإعلان المشترك لم يكن مجرد ورقة ديبلوماسية، بل كان امتداداً لروح “اتفاقيات أبراهام” التي رعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتمتد أذرعها هذه المرة إلى عمق القرن الأفريقي. الدور الذي لعبه “الموساد” ومديره “ديفيد بارنياع” لم يكن خفياً؛ فالاعتراف جاء مكافأةً لمسار طويل من التعاون الأمني، وربما رغبةً إسرائيليةً جامحة في إيجاد موطئ قدم استراتيجي لمراقبة الملاحة في خليج عدن، ومواجهة التهديدات القادمة من الجهة الأخرى للمياه، حيث جماعة الحوثي في اليمن.

“أبراهام” بنكهة أفريقية

لم تكتفِ إسرائيل بالاعتراف الورقي، بل سارعت لإعلان تعاون تقني وعسكري وزراعي واسع النطاق. وبحسب تقارير صحفية عبرية، فإن الاهتمام الإسرائيلي يتجاوز “الزراعة” ليصل إلى إمكانية استخدام أراضي “صوماليلاند” كقاعدة متقدمة لمواجهة الهجمات في البحر الأحمر. هذا التحول الدراماتيكي جعل “أرض الصومال”، التي تعيش في عزلة ديبلوماسية منذ انفصالها الأحادي عن مقديشو عام 1991، تقفز إلى واجهة الأحداث الدولية، مستغلةً رغبة إسرائيل في كسر طوق الخناق البحري الذي يفرضه خصومها الإقليميون.

عاصفة العواصم

لم يتأخر الرد، فالعواصم المعنية بالسيادة الصومالية وبأمن البحر الأحمر استنفرت قواها. وزير الخارجية المصري “بدر عبد العاطي” أجرى اتصالات ماراثونية مع نظرائه في تركيا والصومال وجيبوتي، ليصدر بيان رباعي حازم: “هذا الاعتراف سابقة خطيرة تهدد السلم الدولي”. بالنسبة لمصر وتركيا، فإن المساس بوحدة الأراضي الصومالية ليس مجرد شأن داخلي لمقديشو، بل هو تهديد لاستقرار النظام الدولي وخرق لميثاق الأمم المتحدة. ط فالاعتراف بكيانات منفصلة يفتح “صندوق باندورا” قد لا يغلق، ويهدد بتفتيت دول أخرى في المنطقة تعاني أصلاً من نزعات انفصالية مشابهة.

انفصال داخل المنفصل

تأتي هذه الخطوة في وقت يعيش فيه إقليم “أرض الصومال” نفسه صراعاً داخلياً مريراً؛ فبينما تسعى “هرجيسا” للاستقلال، تواجه تمرداً في مناطقها الشرقية حيث أعلنت ولاية “خاتمة” عودتها لحضن الحكومة المركزية في مقديشو بعد معارك طاحنة في “لاسعانود”. المفارقة هنا تبدو جليّة: الإقليم الذي يطالب بالانفصال يواجه “انفصالاً عن المنفصل”، مما يجعل الاعتراف الإسرائيلي بمثابة صب الزيت على نار الصراعات القبلية والسياسية المشتعلة أصلاً.

رهان المجهول

بينما دعا نتنياهو رئيس “أرض الصومال” لزيارة رسمية إلى إسرائيل، تترقب مقديشو والقوى الإقليمية تداعيات هذا القرار على الأرض. هل ستتحول “هرجيسا” إلى “سنغافورة أفريقيا” بدعم تكنولوجي إسرائيلي، أم ستكون الوقود الجديد لحرب إقليمية كبرى تتقاطع فيها مصالح القاهرة وأنقرة مع طموحات تل أبيب؟
الأكيد أن الخارطة التي رُسمت في عام 1991 لم تعد قائمة، والقرن الأفريقي اليوم يستعد لمرحلة من “الواقعية السياسية” الخشنة، حيث لم يعد الاعتراف بالدول يُمنح في أروقة الأمم المتحدة فحسب، بل يُشترى في صفقات استراتيجية خلف الأبواب المغلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews