
شبكة مراسلين
بقلم الدكتور أحمد أحمد
أبارك للإخوة السوريين بكافة أطيافهم نهاية حقبة الاستبداد وتحرير الإنسان السوري من السجون الحقيقية والمعنوية بعد عقود من القمع والتنكيل والنهب.
في غمرة هذه الفرحة يتساءل البعض عن أسباب النجاح السريع لهذا الحراك الثوري، وعن توقيت الحراك وعن تفاهمات وأغراض القوى الإقليمية والدولية وعن احتمالية سيطرة أطراف متشددة على المشهد السياسي أو ظهور تيار استبدادي جديد أو حدوث تناحر على السلطة بين مكونات الحراك الثوري مما سيسبب مزيداً من الدمار والدماء وتقسيم سوريا كما حدث بعد سقوط القذافي وعلي عبد الله صالح.
هذه التساؤلات مشروعة، ولكنها أحياناً تصاغ سواءً بحسن نية عند البعض أو سوء نية عند البعض الآخر لتجعل الناس يشكون في كل شيء بل ويتوجسون خيفة بدلاً من الفرح بهذا الإنجاز، بل وحتى التحذير من المستقبل المرعب الذي ينتظر البلد بسبب سقوط المستبد.
كل هذا وذاك يقود البعض من داخل وخارج سوريا ومن شعوب عربية أخرى تقبع تحت الاستبداد إلى الشك في جدوى أي حراك ثوري، بل ويميل البعض إلى تخوينه باعتباره حراكاً يخدم الاستعمار ويحقق مصالح أمريكا وإسرائيل في منطقتنا.
نعم، قد تتقاطع مصالح الثوار في أي بلد عربي وخصوصاً في بلاد محورية تحيط بفلسطين مع مصلحة إسرائيل الآنية بإسقاط أنظمة معينة على المدى القريب، ولكن إسقاط منظومة الاستبداد وبناء الدولة الحرة النظيفة من الاستعباد والفساد هو خسارة فادحة لإسرائيل على المدى المتوسط والبعيد، لأن الشعوب الحرة الحية المتماسكة هي الوحيدة القادرة على تحرير الأرض، أما تلك المغصوبة على أمرها وقد نخرها الفساد فنراها تفر كما فرت قوات جيش الأسد أمام الثوار السوريين وكما فرت قوات الجيش العراقي أمام داعش.
نعم، قد يقع الثوار فيما وقع فيه غيرهم وما وقعوا فيه أنفسهم في بداية الثورة من تشرذم وتناحر، نعم قد يسيطر فصيل على المشهد، نعم قد يترسخ الانقسام شرقي الفرات وغربه، نعم قد تستغل إسرائيل الفرصة وتتقدم في مواقع استراتيجية شرقي وشمالي الجولان، وتحاول نسج علاقات مصلحية مع بعض قيادات الأقليات في تلك المناطق كما حاولت من قبل في جنوب لبنان، كل هذا وذاك ممكن وكلنا نتمنى عدم حدوثه. المهم أن نركز على ما يمكننا فعله لتجنب حدوث ذلك، بل ومنعه وليس انتظاره وكأنه قدر.
استسلام البعض لمخططات الأعداء وكأننا أحجار على رقعة الشطرنج تحركها أيادي القوى الإقليمية والدولية ولا نملك من أمرنا شيئا، هذه الطريقة في التفكير والإذعان هي التي توصلنا إلى الفشل، وعندها نقنع أنفسنا بأن كل شيء كان مخططاً له ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وكأن القوى الدولية هي آلهة ونحن عبيدها.
لكل شيء في هذه الحياة إيجابيات وسلبيات، والعاقل هو الذي يبذل ما بوسعه للحصول على أكبر قدر من الإيجابيات والتقليل قدر الإمكان من السلبيات، فالعيب لن يكون أبداً في الثورة على الطغيان والتخلص من الاستبداد، بل الطامة الكبرى هي في الخنوع والخضوع لطغيان مماثل، بل ربما أسوأ من سابقه كما حدث في بعض بلدان الربيع العربي. بأيدينا كشعوب ألا نقع في الحفرة مرتين، لذلك، احموا ثورتكم كما تحمون أولادكم، هذبوا أخلاقها كما تربون أولادكم، صححوا مسارها كلما لزم الأمر، لا تتركوها تضيع، ولا تسمحوا لأحد أن يختطفها منكم، لا تخافوا من الثورة، بل خافوا عليها.