مقالات

مراسلات «الحسين – مكماهون»

شبكة مراسلين
مقال بقلم: محمد سعد الأزهري

هل تشهد المنطقة العربية والإفريقية بل والعالم الإسلامي تنازلات جديدة ومؤامرات خفية بعضها ضد بعض ولن نتهم النوايا أن هذه المؤامرات ضمن سلسلة الخيانات السياسية ولكننا سنحسن الظن ونعمل العقل إلى أبعد مداه أن هذه المؤامرات تعتبر اتفاقيات للمصالح الدولية التي يرى القائمون على سياسة وحكم كل دولة أنها تصب في مصلحة بلادهم وشعوبهم وفق ما يرونه من منهج سياسي وما بين أيديهم من معلومات ومعطيات حكم وإدارة، لكن ما يلفت الإنتباه في النظر في أوجه التشابه بين اتفاقية فرساي ١٩١٩ والتي وقع عليها الحلفاء وألزموا بها الشريف حسين ما هي إلا تنازلات دائمة ومستمرة عن صلاحيات وثروات وإمكانات وأدوار بل وأراضي ودول وحدود ويزيد الأمر تعقيدا وتصعيدا أنها تلزم العرب والمسلمين وحدهم بما فيها رضى أو جبرا سلما أم حربا اتفاقا أو فرض عقوبات وما هي إلا عبارة عن سلسلة من التتابع الزمني والمكانية والجيوسياسي والجيوجغرافي الجديد الذي لا يصب فيما يرى الناظر والمراقب المحايد وبالعين المجردة دون الغوص في دقائق الأحداث أو التحليل والبحث والتدقيق أننا ورغم قوتنا المهولة كأمة عربية وإسلامية وبالاشتراك مع الدول المحايدة التي لا تتدخل في شئون بلادنا العربية والإسلامية بهذه الفجاجة والغلظة والبجاحة السياسية غير المعتادة وغير المقبولة في ثقافتنا وقيمنا إلا أننا نتنازل عن مصادر قوتنا ونتخلى عن أسلحتنا ونكبت النخب العلمية والاجتماعية والسياسية والدينية ونمنعهم حتى عن إبداء الرأي والمشورة التي وبلا شك تنير وتدعم وتساعد وتحاول حماية أوطاننا وبلادنا وهويتنا.
إن الرسائل المتبادلة بين الشريف حسين بن علي (شريف مكة) والسير هنري مكماهون (المندوب السامي البريطاني في مصر) خلال الحرب العالمية الأولى، تحديداً بين يوليو 1915 ومارس 1916. هذه المراسلات كانت محورية في تشكيل مستقبل المنطقة العربية، حيث وعدت بريطانيا بدعم استقلال العرب مقابل قيام الثورة العربية ضد الدولة العثمانية.

إليك أبرز النقاط حول هذه المراسلات:

إن العقبة الكؤود التي كانت تقف في طريق التوسع الاستعماري البريطاني في طول بلاد العالم وعرضه حتى قالوا عن بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس رغم قلة عدد سكانها وقلة ثرواتها وكونها نقطة في بحر العالم العربي والإسلامي من حيث المساحة والعدد السكاني والثروات الطبيعية . إلا أنها وبخبث لا يوصف ومكر زالت منه الجبال الرواسب استطاعت تكوين جيش كبير جدا من الموالين لها والعاملين لمصالحها وحمايتها والدفاع عن سياستها بل وتولي واجب الدفاع عنها والحرب بديلا لها في كل البلاد والدول العربية والإسلامية .
لقد ساعدت كل الطوائف والفرق والجماعات والمؤسسات التابعة لدولة الخلافة العثمانية على التمرد على الخليفة وحربه والاعتداء على مقامه وعلى دولته وجيشه بدلا من أن يكون الولاة والحكام تابعين له ومنفذين لسياسة حكمه بداية بمحمد علي باشا حاكم مصر الذي استولى على حكم مصر والسودان حتى أعالي النيل وصولا إلى هضبة البحيرات وبحيرة فيكتوريا ( حتى البحيرة الأفريقية أطلقوا عليها اسم فيكتوريا ومازال للٱن لها اسما رسميا ) ثم استولى على الحجاز وصولا للمدينة المنورة ثم اتجه إلى الشام حتى وصل مينا الاسكندرونة داخل حمى وزمام الدولة العثمانية بل وحارب الدولة العثمانية وكسر جيشها، ثم كانت حرب اليونان وانفصالها ثم البانيا ثم البوسنة وصربيا ثم وثم وثم حتى لم يبقى لدولة الخلافة العثمانية سوى الاسم والرمز والقيمة التي كانت رابطة جليلة ووثيقة متينة فقاموا بالاتفاق مع الشريف الحسين حاكم مكة والذي كان يحلم أن يرث منصب الخلافة وينقلها من الترك إلى العرب مرة ثانية ولكن وقع في فخ طمعه وضعفه وخيانته فاستخدموه في الاجهاز على ما تبقى من سلطان الدولة العثمانية وخليفتها واقتحموا حماها من باب الشريف حسين العربي الاصيل ليكون الخنجر الأخير الذي أزهقت به بريطانيا ومن ورائها أوروبا روح دولة الخلافة العثمانية عام ١٩٢٢ بعد توقيع معاهدة فرساي مع الحلفاء والشريف حسين بعامين ومن يومها وانفرط عقد الأمة العربية والإسلامية .
في الهند كان الوضع معقد ومختلف مسلمون لديهم الحماسة الكاملة والولاء المطلق للإسلام والخلافة التي كانوا ينظرون إليها بأنها الحامي لهم والراعي لدينهم ومصالحهم فلم تتوانى بريطانيا أو تستحي من أن تخلق لهم دينا جديدا على يد أحد أتباعها المخلصين ( غلام أحمد القادياني ) من قاديان بالهند والذي ساعدته وأيدته ودعمته بالمال والاتباع واعطائه المجال والوقت والصلاحيات للاعلان عن دين جديد أتى به من عند الله ليعتبر نفسه خاتم المرسلين كما كان -سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين – وألفوا له المناهج والكتب وجمعوا حوله الإتباع بما نشروه عنه وكان الدين الجديد الذي خلقته بريطانيا ما جاء إلا بسحب الخلافة وما فيها من قيمة وأهمية من السلطان عبد الحميد إلى النبي الجديد الذي أعلن أنه أتى بالسلام وأنه ألغى الجهاد – وهو مشكلة بريطانيا الكبرى – الجهاد الذي أرق مضاجع قصور الحكم في بريطانيا والهند قام الرجل العميل المصنوع على يد بريطانيا ومازال أولاده ينعمون لليوم بالحماية البريطانية والحياة الفارهة والقنوات الفضائية والسماح بجمع مليارات الدولارات كتبرعات واشتراكات من اتباع الدين الجديد الذي خفف عدد الصلوات ومنع الجهاد وأرباح شرب الخمر وزواج الأقارب من الدرجة الأولى وغيرها من أركان الإسلام التي كانت تؤرق مضاجع الغزاة والمعتدين .

1 – الخلفية والأهداف

  • الدوافع البريطانية: سعت بريطانيا إلى إضعاف الدولة العثمانية، حليفة ألمانيا، عن طريق إثارة ثورة عربية. كما أرادت تحييد خطر دعوة الجهاد التي أطلقها السلطان العثماني، والتي كانت قد تؤثر على المسلمين في المستعمرات البريطانية مثل الهند .
  • مطالب الشريف حسين: طالب باستقلال البلاد العربية ضمن حدود واسعة تشمل معظم الشرق الأوسط، باستثناء عدن. كما طالب بإعلان خلافة عربية وضمان أفضلية بريطانيا في المشاريع الاقتصادية مقابل تحالف دفاعي .

2 – الرسائل الرئيسية

  • الرسالة الأولى (14 يوليو 1915) قدم الشريف حسين مطالب العرب، مشدداً على ضرورة الاعتراف بالاستقلال ضمن الحدود المذكورة. وأرفق مذكرة مفصلة بذلك .
  • رد مكماهون (30 أغسطس 1915) وافق على مبدأ الاستقلال والخلافة لكنه تجنب الالتزام بحدود واضحة، بحجة أن التفاصيل “سابقة لأوانها” بسبب استمرار الحرب .
  • تطور المفاوضات،
  • بعد تردد بريطانيا، أصر الشريف حسين على حدود واضحة، خاصة فيما يتعلق ببلاد الشام. وفي النهاية، وافق مكماهون على معظم المطالب مع استثناءات غامضة مثل “أجزاء من سوريا” غرب دمشق وحمص وحماة وحلب، والتي كانت موضع نزاع لاحقاً .

3 – الخلافات والتفسيرات المتضاربة

  • المناطق المستثناة.
  • طلبت بريطانيا استثناء مناطق في سوريا ولبنان لمراعاة مصالح فرنسا، لكن الشريف حسين رفض ذلك لاحقاً، مؤكداً أن “لا فرق بين عربي مسلم وعربي مسيحي” .
    -الجدل التاريخي.
    اختلف المؤرخون حول نوايا بريطانيا، فبعضهم رأى أن الاستثناءات كانت غامضة متعمدة، بينما اعتبرها آخرون نتيجة سوء تفاهم .

4 – الانعكاسات والتداعيات

  • الثورة العربية (1916).
  • على الرغم من الغموض، أطلق الشريف حسين الثورة بقيادة ابنه فيصل، بدعم من البريطانيين مثل لورانس العرب .
    -الخيانة البريطانية.
    كشفت اتفاقية سايكس-بيكو (1916) ووعد بلفور (1917) عن تناقض الوعود البريطانية، حيث تقاسمت بريطانيا وفرنسا المنطقة ودعمت إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
  • رفض الشريف حسين.
  • رفض التوقيع على معاهدة فرساي (1919) أو أي اتفاق يعترف بالانتداب، قائلاً إنه لن يوقع وثيقة “تُسلم فلسطين للصهيونيين وسوريا للأجانب” ولكن هيهات له أن يشترط أو يعترض بعد أن أدى مهمته وانتهى دوره وتم القضاء على دولة الخلافة على يد أحد عملاء بريطانيا وصنيعتها – مصطفى كمال أتاتورك – أحد ضباط الجيش التركي الذي أعلن إلغاء الخلافة عام ١٩٢٣ والغاء الأذان ومنع الحجاب ومنع الكتابة بالحروف العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية ورفض الاتحاد مع أي دولة عربية أو إسلامية في الشرق أو الغرب وأعلن القومية التركية. نفس دور غلام أحمد القادياني بالهند مع اختلاف الصورة لتتماهى وتتماشى مع البيئة والجغرافية والثقافة.

5 – الإرث التاريخي

  • تأثير طويل الأمد.
  • أصبحت المراسلات رمزاً للوعود الاستعمارية المكسورة وساهمت في استمرار النزاعات حول فلسطين والحدود العربية .
  • النشر والوثائق.
  • نُشرت المراسلات كاملة لأول مرة في كتاب “يقظة العرب” لجورج أنطونيوس (1938)، ثم رسمياً من قبل الحكومة البريطانية عام 1939 .

هذه المراسلات تبقى واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في التاريخ العربي الحديث، حيث تمثل نقطة تحول في العلاقات العربية-البريطانية وفي تشكيل خريطة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى.
واليوم
ما أشبه الليلة بالبارحة .
أمس كانت قيادة العالم في يد بريطانيا ، واليوم قيادة العالم في يد وريثة بريطانيا من بعد الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ أمريكا .
ما أشبه الساسة بأسلافهم .
وما أشبه المراسلات والاتفاقات بما قبلها .
وما أشبه الوسائل السياسية اليوم بما تم استخدامه بالأمس .
غلام أحمد القادياني ومصطفى كمال أتاتورك والشريف حسين ومحمد على وأولاده وأحفاده واليوم الدين الابراهيمي واتفاقية إبراهام ومحاربة الاسلام السياسي وقيام العلماء الإسلاميين في جميع البلاد الإسلامية بتحريم وتجريم الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات إلا بإذن الحاكم ومن ورائه .
ثم يتم الفصل بعد كل معركة ومرحلة فيوم كان الجهاد ضد روسيا لمصلحة أمريكا فتحت البلاد أذرعها للمجاهدين ودعمت الحكومات الجهاد بالمال والسلاح والعتاد والمعلومات وبعد أن تحققت اهداف أمريكا فتحت السجون والمعتقلات وشكلت المحاكم والجلسات لمن كانوا بالأمس أبطال الجهاد الإسلامي وشيوخه إلى العائدون من أفغانستان والإسلاميين المتشددين والارهابيين وغيرها من المسميات التي لا تخفى على مراقب متجرد محايد.
الخشية والخوف اليوم أن تتكرر بنا الأحداث والمشاهد مع اختلاف الأشخاص والوسائل لنرى أنفسنا وأولادنا وبلادنا وحكامنا يوما قريبا من رعايا امريكا أو روسيا أو الصين نأتمر بأمرهم نعبد ما يعبدون ونحلل ما يحللون ونحرم ما يحرمون ونتعلم ونعلم أبناءنا بما يفرضون وتردد صائحين باكين.
وحتى لا نكون ممن يصف الحالة باكيا معلنا نهاية الجولة وفشل المحاولة وسواد الرؤية وانعدام الحيلة اقدم بعض الأفكار والحلول والوسائل العاجلة والناجزة والتي يمكننا كأفراد وشعوب وحكومات القيام بها أو جزء منها حسب الحالة والطاقة منها:

  • جمع كلمة المسلمين والتصدي للمخاطر التي تهدد وحدتهم ودينهم، مثل :-
  • نشر “الدين الإبراهيمي” واتفاقيات التطبيع مثل:- (اتفاقية إبراهيم)، يتطلب حلولاً واقعية وسريعة تعتمد على :-
  • التوعية،
  • التكامل الاقتصادي، والتضامن السياسي.

إليك بعض المقترحات العملية:

1 – تعزيز الوحدة الإسلامية عبر التضامن السياسي والاقتصادي

  • إحياء منظمة التعاون الإسلامي (OIC) بشكل فاعل
  • الضغط على الحكومات الإسلامية لتوحيد مواقفها تجاه القضايا المصيرية (فلسطين، المسجد الأقصى، الأقليات المسلمة).
  • مقاطعة اقتصادية جماعية للدول التي تتعامل مع “إسرائيل” بشكل يضر بالقضية الفلسطينية.
  • إنشاء صندوق إسلامي لدعم المقاومة الاقتصادية والعلمية في الدول المحاصرة (مثل غزة، اليمن).
  • مواجهة التطبيع عبر المقاطعة الشعبية.
  • دعم الحملات الشعبية لمقاطعة المنتجات والخدمات التابعة للدول المطبعة مثل:- (الإمارات، البحرين، المغرب).
  • تشجيع الاقتصاد المحلي الإسلامي كبديل مثال: – (منتجات “تركيا، ماليزيا، باكستان” اندونيسيا بدلاً من الإسرائيلية).

2 – مواجهة “الدين الإبراهيمي” بالتوعية الدينية والإعلام

  • فضح الأجندة السياسية خلف “الدين الإبراهيمي”.
  • توضيح أن هذه الفكرة تخدم التطبيع وتذويب الهوية الإسلامية، تحت شعار “التسامح”.
  • نشر مقاطع لعلماء يشرحون خطر دمج الأديان تحت مسمى إبراهيمي (مثل الشيخ القرضاوي رحمه الله، والشيخ عثمان الخميس الشيخ محمد بن الحسن الددو ).
  • إنتاج محتوى إسلامي جذاب
  • إنشاء منصات إعلامية تنافس TikTok وYouTube بلغات متعددة (إنجليزية، فرنسية، إسبانية) لشرح الإسلام الأصيل.
  • إبراز قصص الصحابة والفتوحات الإسلامية التي توحدت تحت راية “لا إله إلا الله”.

3 – تمكين الشباب المسلم علمياً وتقنيا

  • إنشاء مراكز أبحاث إسلامية مستقلة.
  • تطوير تقنيات اتصال بديلة عن الغربية (مثل منصات تواصل إسلامية آمنة).
  • تدريب الشباب على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. لمواجهة الحرب الإعلامية.
  • دعم التعليم الديني الصحيح
  • إقامة دورات مكثفة لتعليم الشباب العقيدة الصحيحة والرد على الشبهات.
  • تشجيع حفظ القرآن وفهم السيرة النبوية كسلاح فكري.

4 – التصدي للاختراق الثقافي والاجتماعي

  • حماية الهوية الإسلامية في المجتمعات.
  • فرض رقابة شعبية على المناهج التعليمية في الدول الإسلامية لمنع الترويج للتطبيع أو “الدين الإبراهيمي”.
  • تشجيع الزي الإسلامي والعادات الأصيلة عبر مسابقات وتكريم الملتزمين.
  • توحيد الخطاب الديني.
  • تجنب الخلافات المذهبية والتركيز على الأعداء المشتركين.
  • إبراز فتاوى العلماء الذين يحرمون التطبيع مع الكيان الصهيوني.

5 – الضغط الدولي عبر العمل الجماعي

  • تشكيل تحالفات إسلامية في المحافل الدولية.
  • رفع قضايا اضطهاد المسلمين (مثل الإيغور، كشمير، فلسطين) في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
  • مقاضاة الدول التي تدعم “إسرائيل” عسكرياً (مثل أمريكا) عبر حملات قانونية.
    خاتمة:
    لن تنجح الحلول بدون تضحيات.
  • الدول الإسلامية القوية (مثل تركيا، إيران، باكستان، ماليزيا) يجب أن تقود المعركة.
  • الشعوب عليها دور في المقاومة الاقتصادية والإعلامية.
  • العلماء والمثقفون يجب أن يوحدوا الخطاب ويجاهروا بالحق.

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].

الوحدة ليست خياراً، بل ضرورة للبقاء!

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews