مقالات

ماذا بقي في جعبة إيران؟

مقال بقلم الدكتور أحمد أحمد

شبكة مراسلين
بقلم: د. أحمد أحمد

لم يكن قرار البدء في هذه الحرب على إيران معزولاً عن محاولة إسرائيل استعادة الهيبة والردع وتسيُّد المنطقة بعد صفعة طوفان الأقصى. الرد العسكري الوحشي المستمر في قطاع غزة تبعه إخراج حزب الله من المعادلة بعد عملية البيجر واغتيال جميع قيادات الصف الأول وتدمير ما لا يقل عن نصف صواريخ الحزب السريعة والدقيقة قبل استخدامها في المعركة، ومن بعد الحزب كان تحييد فصائل المقاومة العراقية، فلم يبق من المقاومة العاملة في المنطقة سوى فصائل غزة، والحوثيين في اليمن، ومن ورائهم من ساعد في التمويل والتدريب والإمداد وهي إيران.

إسرائيل تستعمل جميع أدواتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة من قتل وتجويع وحصار دون نجاح في الحصول على مشهد الاستسلام، وكذلك قصفت اليمن عدة مرات مع الأمريكان والبريطانيين دون جدوى وبقيت الصواريخ اليمنية تصل إلى محيط مطار بن غوريون على محدودية ضررها المادي ولكن يبقى أثرها المعنوي.

لذلك عندما جاء دور الانتقام من إيران كانت الضربة الجوية الإسرائيلية التي كان المراد منها أن تكون قاصمة للبرنامج النووي الإيراني، ولكسر هيبة النظام الإيراني مما قد يشجع المعارضة الداخلية في إيران على انتفاضة تسقط النظام من الداخل، بينما نظر الأمريكي إلى تلك الضربات كفرصة لإجبار إيران على القبول بجميع الشروط الأمريكية في المفاوضات النووية ويتصدرها القبول بوقف التخصيب بالكامل، تفكيك البرنامج الصاروخي، ووقف دعم “وكلاء” إيران في المنطقة. لكن الرد الإيراني لم يلتزم هذه المرة بالصبر الاستراتيجي المعهود كون الوضع الحالي لا يسمح بذلك وقد يغري إظهار الضعف في هذه الحالة بسقوط النظام من الداخل، فأصبح وقع الضربة الجوية على إيران كوقع طوفان الأقصى على إسرائيل، ولذلك من المتوقع أن يستمر الرد الإيراني دون رفع الراية البيضاء الذي تنتظره أمريكا وإسرائيل.

إن أوراق القوة بيد إيران في هذه المواجهة تتلخص في القوة الصاروخية تحديداً فرط الصوتية مثل صاروخ فتاح-١، قدرتها على تعطيل تجارة النفط من مضيق هرمز، قدرتها على ضرب القواعد والمصالح الأمريكية في العراق والخليج العربي، وتفعيل حلفائها في العراق ولبنان واليمن.

من المستبعد أن تبدأ إيران بخطوات من مثل تعطيل تجارة النفط من مضيق هرمز أو الإقدام على ضرب القواعد والمصالح الأمريكية لأن هذا يعني ضمناً إدخال أمريكا بكامل ثقلها في المعركة، وهذا بالتأكيد ما تحاول إيران تجنبه، أما تفعيل الحلفاء كالمقاومة العراقية والحوثيين فإن أثر هذا التدخل محدود من ناحية الحسم لأن أثرها أكبر إذا استعملت في كر وفر للاستنزاف وليس للحسم السريع، بينما إعادة تفعيل حزب الله ولعدة أيام فقط ممكن على الرغم من تحييد تدخله ضمن وحدة الساحات، ووجود ضغوط داخلية وخارجية تحد من هذا التدخل، فمشاركة الحزب الفاعلة والمؤثرة هذه المرة لن تتعدى استخدام ما تستطيع استخدامه من الصواريخ فوق الصوتية مثل فاتح-١١٠ على مدى يومين فقط ثم العودة للتفاهمات الحالية ولتعتبر الدولة اللبنانية هذا الخرق من جانب الحزب مشابهاً لمئات الخروقات الإسرائيلية منذ توقيع وقف إطلاق النار، هذه الصواريخ تستطيع الوصول من محيط بعلبك إلى تل أبيب خلال دقيقتين ونصف مما يجعل صعوبة اعتراضها تضاهي صعوبة اعتراض الصواريخ فرط الصوتية التي تطلقها إيران وتصل إلى تل أبيب خلال ٦ دقائق، وبنسبة نجاح تصل إلى ٧٠٪؜, مقارنة بالصواريخ البالستية العادية التي بلغت نسبة وصولها إلى أهدافها ما بين ١٠-٢٠٪؜.

إن استمرار الرد الإيراني مرهون بقدراتها التي تنضب بمرور الوقت كون حليفتيها الرئيسيتين روسيا والصين لم تقوما بتقديم أي مساعدات عسكرية عاجلة أو تزويد الناقص من صواريخ إيران الفرط صوتية الدقيقة كما أمدت أمريكا إسرائيل وأوكرانيا. تشير تقديرات الخبراء العسكريين في عدة مراكز بحثية بأن عدد الصواريخ فرط الصوتية في إيران هو بين ١٠٠ إلى ٢٠٠ صاروخ على أبعد تقدير، لذلك لا أعتقد أنه يمكن لإيران الاستمرار بهذه المعركة لعدة أشهر دون دعم خارجي، ولا أعتقد شخصياً بأن هذا الدعم سيأتي، ولذلك أعتقد بأن الرهان الأفضل لإيران لإنهاء هذه الحرب بأقل الخسائر ودون رفع الراية البيضاء يكمن في إيقاع أكبر قدر ممكن من الضرر في الجبهة الداخلية الإسرائيلية كمصافي النفط، ومنشآت تحلية المياه، وحقول الغاز في البحر المتوسط، ومحولات الكهرباء، والموانئ البحرية والجوية خلال مدة قصيرة لا تتجاوز عدة أيام قبل الاقتراب من نفاذ المخزون الاستراتيجي من الصواريخ الدقيقة فرط الصوتية، وذلك أيضاً بالاستعانة بالصواريخ فوق الصوتية لدى حزب الله والتي من الأفضل استعمال ما بقي منها في حسم هذه المعركة قبل أن تطالها يد التدمير الإسرائيلية أو أيادي التفكيك اللبنانية.

مثل هذا الضرر الكبير على صعيد الجبهة الداخلية في إسرائيل إذا تم لوحده فإنه قد يؤتي نتائج عكسية مثل دخول القوات الأمريكية بثقلها في الحرب لدعم إسرائيل، وبالتالي سحق الآلة العسكرية الإيرانية وربما إسقاط النظام بالكامل بالتوازي مع الدعاية لابن الشاه الذي يستعد لإعادة الملكية إلى إيران برعاية أمريكية إسرائيلية، ولذلك فلا بد بالتزامن مع هذا الخيار من تفعيل الحل التفاوضي مع أمريكا عبر الوسطاء مع تقديم تنازلات جدية في مجال الملف النووي قد تُقنع أمريكا بوقف العدوان، وإبرام صفقة جديدة مع إيران مع وقف الحرب بالكامل.

 في حال نجاح هذين المسارين معاً؛ إحداث دمار نوعي في الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفي ذات الوقت حدوث اختراق تفاوضي يؤدي إلى اتفاق نووي ووقف الحرب، فإن النظام الإيراني بذلك سيضمن استمراريته، ويرضي مؤيديه برده النوعي الذي سيعطيه مصداقية وكذلك يحافظ على توازن الردع مع إسرائيل من منطلق أنك إذا آذيتني فأنا قادر على إيذائك بالمثل. أضف إلى كل ما سبق ما سينتج عن مثل هذا الأذى للجبهة الداخلية الإسرائيلية من إحساس المواطن الإسرائيلي بعدم الأمان وربما يدفع ذلك عشرات الآلاف منهم خلال السنوات المقبلة لمغادرة البلاد بحثاً عن مكان آمن ومستقبل أفضل لأطفالهم.

لا أعتقد بوجود خيارات أخرى قد تحقق نفس القدر من الردع وحفظ ماء الوجه للنظام الإيراني ما لم يحدث تدخل جدي من روسيا أو الصين لترميم القدرة الصاروخية الإيرانية خلال الحرب لتدعيم موقفها، ولا توجد مؤشرات توحي بقرب حدوث ذلك.

إن استمرار استنزاف القدرة الصاروخية الإيرانية بالوتيرة الحالية مع التدمير المتزايد من قبل إسرائيل لمنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية يجعل من طول أمد الحرب ضد مصلحة إيران التي ستفقد من أوراق قوتها مع غروب كل يوم، ومن جهة أخرى فإن الرهان على عدم صمود إسرائيل لمدة طويلة بسبب خسائرها المادية التي وصلت إلى ٧٥٠ مليون دولار أمريكي في اليوم الواحد هو رهان خاسر، فالمليارات ستعوضها أمريكا والدول الغربية التي صرحت علانية بأن إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنها، نعم هنالك ضرر أصاب الاقتصاد الإسرائيلي، الأعمال الخاصة، القطاع السياحي، شركات الطيران،… ولكن المؤثر الحقيقي الذي يبقى في ذهن المجتمع الإسرائيلي يبقى الإحساس بالأمن وبأن أي خلل أمني حتى لو حدث فإنه لن يتكرر، يلي ذلك استمرار توفر الخدمات من ماء وكهرباء وغاز، فالمواطن الإسرائيلي لم يكن ليتحمل عشر ما مر ويمر به المواطن الفلسطيني في غزة، لذلك فإن المساس بالأمن والخدمات الرئيسية هو ما سيحدث الأثر الأكبر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية لسنوات قادمة.

برأيي المتواضع هذا ما بقي في جعبة إيران، فهل ستفعلها؟ أم تفاجئنا بما هو أعظم؟ أم ستعتمد نهج النفس الطويل الذي أودى بالحزب من قبل؟

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews