
شبكة مراسلين
بقلم الدكتور : رياض قدرية
تتزايد وتيرة التصريحات والخطوات الإسرائيلية التي لا تترك مجالاً للشك في نية القيادة الحالية لدفن حل الدولتين إلى الأبد، واستبداله بمشروع الهيمنة والضم الواضح، تحت شعارات “إسرائيل الكبرى” والتهويد المكثف للأرض الفلسطينية المحتلة.
فقد عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ليستحضر “حلم” إسرائيل الكبرى في تصريحات مثيرة، مؤكداً على رؤيته التي لا مكان فيها لدولة فلسطينية ذات سيادة. هذا الحلم التوسعي، الذي يتجاوز حدود الخط الأخضر لعام 1967، ليس مجرد شعار انتخابي عابر، بل هو جوهر سياسة حكومة اليمين المتطرف الحالية، المتمثلة في تصريحات وخطط وزير المالية، الوزير القومي المتشدد بتسلئيل سموتريتش.
فقد تحدث سموتريتش، الذي يُعتبر مهندس الاستيطان الرئيسي في الحكومة، صراحة وبفخر عن مشاريع استيطانية واستعمارية ضخمة ومتسارعة في مدينة القدس المحتلة، بهدف تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي للمدينة المقدسة بشكل لا رجعة فيه. هذه المشاريع ليست معزولة، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، عبر استكمال خنق التجمعات الفلسطينية بواسطة حلقات الاستيطان والطرق الالتفافية والجدران العازلة، والسيطرة على الموارد، وخاصةً في المنطقة المصنفة “ج” التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة وتخضع فعلياً لسيطرة إسرائيلية كاملة.
في السياق تشكل هذه المواقف انعكاسات كارثية على حل الدولتين على النحو الاتي:
- اغتيال الجغرافيا الفلسطينية التوسع الاستيطاني الجامح، خاصة في القدس والمنطقة المحيطة بها (E1) وفي قلب الضفة الغربية، يحول أي دولة فلسطينية مستقبلية إلى كانتونات منعزلة ومفككة، بلا حدود مشتركة ولا سيادة على مواردها ولا اتصال جغرافي حقيقي، وبالتالي بلا مقومات دولة قابلة للحياة.
- تهويد القدس وتكريس الاحتلال: المشاريع الاستيطانية في القدس تهدف بشكل صريح إلى تقليص الوجود الفلسطيني في المدينة وتفريغها من محتواها العربي والإسلامي، وتكريس السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها كـ”عاصمة أبدية” لإسرائيل، مما يقطع أي أمل في جعلها عاصمة لدولة فلسطينية.
- تحويل الاحتلال المؤقت إلى دائم: خطط الضم المعلنة والمستترة، سواء عبر التشريعات أو عبر الاستيطان المكثف الذي يبتلع الأرض، تحول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية من وضع مؤقت كما يُفترض في القانون الدولي إلى واقع دائم ومُؤسس له بطريقة ممنهجة .
- تفريغ حل الدولتين من مضمونه : تصريحات نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” وخطط سموتريتش الاستيطانية والضم تعلن صراحة رفض مبدأ أساسي من مبادئ حل الدولتين، وهو انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 لقيام الدولة الفلسطينية تؤكد من جديد إن الحكومة الاسرائيلية المتطرفة تريد دولة واحدة وهي دولة إسرائيلية تمتد من البحر إلى النهر، مع حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في جيوب معزولة، وهو ما يُشكل نظاماً عنصرياً بامتياز.
ووفق لكل ماتقدم فإن هذه السياسات الإسرائيلية تمثل تحدياً صارخاً وصريحاً للموقف الرسمي للمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة، الذين ما زالوا ( نظرياً على الأقل ) يتبنون حل الدولتين كخيار وحيد للسلام. تصريحات نتنياهو وسموتريتش تُظهر ازدراءً واضحاً للقرارات الدولية المتعددة التي تدين الاستيطان وتعتبره غير شرعي وتُشكل عقبة كأداء أمام السلام.
وفي المحصلة النهائية لم يعد الحديث عن حل الدولتين ذا مصداقية في ظل سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية. تصريحات نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى” وخطط سموتريتش الاستيطانية والضم المكثفة ليست مجرد سياسات عنصرية واستعمارية توسعية فحسب، بل هي عملية حفر منهجية لقبر حل الدولتين.
إنها تطرح واقعاً جديداً قائماً على الهيمنة الإسرائيلية الكاملة والفصل العنصري، وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: إما اتخاذ إجراءات فعلية وحقيقية لمواجهة هذه السياسات وفرض تكاليف باهظة على إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي ومبادئ السلام بشكل صارخ، أو الاستمرار في خطاب دبلوماسي أجوف يفقد معناه يوماً بعد يوم بينما تُدفن آخر فرصة للسلام العادل تحت ركام حرب الإبادة الاسرائيلية في قطاع غزة ومخططات الاستيطان التوسع في الضفة الغربية ليبقى مستقبل المنطقة واستقرارها يتوقف على هذا الاختيار المصيري.