
شبكة مراسلين
بقلم: سجى عبدالمجيد شبانة
في زنازين ضيقة معتمة، خلف أبواب حديدية وسلاسل ثقيلة، يقبع آلاف الفلسطينيين ممن يُطلق عليهم “الأسرى” أو “المعتقلون السياسيون”. لكنهم في الحقيقة ليسوا مجرد مساجين، بل وجوهٌ لقصص وطن، وجراح إنسانية عابرة للأجيال، ومرآة لمعاناة شعب بأكمله.
أرقام تختصر المأساة
وفق مؤسسات حقوقية، يقدّر عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بالآلاف، من بينهم نساء، وأطفال، وكبار سن، ومرضى بحاجة لعلاج عاجل. غير أن الأرقام وحدها عاجزة عن سرد حجم الألم: فخلف كل معتقل أم تنتظر على بوابات السجون، وزوجة تحلم بزيارة قصيرة لا تتجاوز دقائق معدودة، وأبناء كبروا على صورة أبيهم أكثر من حضوره.
الاعتقال الإداري: قيدٌ بلا محاكمة
واحدة من أكثر القضايا إيلاماً هي سياسة “الاعتقال الإداري”، حيث يُحتجز مئات الفلسطينيين بلا تهمة أو محاكمة، لفترات قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية. هذا الإجراء، الذي يفتقر إلى أي سند قانوني عادل، يُحوّل حياة الأسير إلى حالة انتظار معلّق، لا يعرف متى سينتهي، ولا على أي أساس بدأ.
نساء وأطفال خلف القضبان
ليست معاناة الأسرى حكراً على الرجال. فالنساء الفلسطينيات في المعتقلات يواجهن قسوة مضاعفة؛ إذ تُنتهك إنسانيتهن ويُحاصرن بحرمانهن من أبسط مقومات الحياة، فضلاً عن غيابهن القسري عن أطفالهن. أما الأطفال، فيحملون مأساة أشد قسوة؛ فكيف لطفل لم يتجاوز الثالثة عشرة أن يتعلم معنى الزنزانة قبل أن يتعلم معنى المدرسة؟
صمود يتحدى الجدران
ورغم قسوة الظروف، فإن الأسرى الفلسطينيين يحولون زنازينهم إلى ساحات حياة. يتعلمون، يكتبون، يرسمون، ويتبادلون المعرفة، وكأنهم يؤكدون أن السجن مكان للجسد لا للروح. كثير منهم كتبوا رسائل تحولت إلى نصوص أدبية وإنسانية مؤثرة، شاهدة على أن الحرية فكرة لا يمكن أن تُسجن.
الإضراب عن الطعام: مقاومة الجسد
من أبرز أشكال النضال داخل السجون، إضرابات الأسرى عن الطعام. أجسادهم الهزيلة تتحول إلى سلاح احتجاج سلمي في مواجهة قوة الاحتلال. هذه المعارك المفتوحة، التي قد تستمر أسابيع أو شهوراً، تعكس أن الإرادة الإنسانية قادرة على تحدي أقسى أشكال القمع.
مسؤولية المجتمع الدولي
قضية الأسرى الفلسطينيين ليست شأناً محلياً فحسب، بل اختباراً لمدى التزام العالم بحقوق الإنسان. فمنظمات حقوقية طالبت مراراً بوقف سياسة الاعتقال الإداري، وضمان الرعاية الطبية للأسرى المرضى، والسماح بزيارات عائلية دون قيود، لكن هذه النداءات غالباً ما تتلاشى في أروقة السياسة الدولية.
الأسرى قضية هوية
في الوعي الجمعي الفلسطيني، الأسير ليس فرداً معزولاً بل رمز لصمود جماعي. يُستقبل المحررون بالورود والزغاريد وكأنهم عائدون من جبهة حرب، لأنهم في نظر مجتمعهم حملوا على أكتافهم عبء الكرامة الوطنية.
ختاماً، فإن الحديث عن المعتقلين الفلسطينيين هو حديث عن معركة إنسانية مفتوحة، عنوانها الكرامة والحرية.
ورغم القيود الحديدية، تبقى رسائلهم تنبض بالأمل: أن الحرية ليست حلماً بعيداً، بل وعداً يقترب مع كل يوم من الصبر والثبات.