
بقلم: د. هاشم عبدالسلام – مركز ما وراء النيل للدراسات الاستراتيجية
جيل الطوفان ليس حدثًا عابرًا في الذاكرة الفلسطينية، بل هو ولادة جديدة لمشروع تحرري شامل يعيد للأمة بوصلتها نحو الكرامة والحرية. هذا الجيل أدرك منذ اللحظة الأولى أنّ الاحتلال ليس مجرد دبابة وجنديّ، بل هو منظومة متكاملة من القهر والنهب وتزوير التاريخ، وأنّ معركة التحرر لا بد أن تكون شاملة تتجاوز حدود البندقية لتصل إلى فضاءات الفكر والثقافة والفن، حيث تصنع الشعوب هويتها وتبني وعيها الجمعي.
إنّ فلسفة المقاومة التي يتبناها جيل الطوفان تقوم على قاعدة ذهبية: لا تحرير بلا وعي، ولا وعي بلا ثقافة، ولا ثقافة بلا مقاومة. فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل على الرواية، على الذاكرة، على الحقائق التي يحاول العدو تزويرها وتزييفها أمام العالم. ومن هنا يأتي دور مركز ما وراء النيل للدراسات الاستراتيجية في إطلاق مشروع متكامل يجعل من ثقافة الفكر وفلسفة المقاومة والفن المقاوم والمقاومة الفنية ركائز أساسية في معركة التحرير، وليس تفاصيل ثانوية.
اليوم نحتاج إلى ثورة ثقافية وفنية توازي العمل السياسي والميداني، ثورة تنتج أدبًا يكتب الحقيقة بمداد الدم والتضحيات، فنًا يفضح جرائم الاحتلال ويصوّر بشاعة المستعمر، مسرحًا ينطق بلسان المقهورين، وأفلامًا توثّق الحصار والاغتيال والتهجير، فتجعل من فلسطين حكاية إنسانية يتبنّاها الضمير العالمي بأسره. إنّ بناء دوائر الأدب والفن المقاوم ليس مشروعًا ترفيًّا، بل هو جبهة من جبهات الصراع، وسلاح ناعم لكنه فاعل، يتسلل إلى العقول والقلوب حيث تعجز الدبابة عن الوصول.
مركز ما وراء النيل يقترح إنشاء منصات إبداعية مفتوحة للشباب العربي والإفريقي والآسيوي، منصات تتبنى المواهب الناشئة في مجالات الكتابة الإبداعية، المسرح السياسي، السينما الوثائقية، الفنون التشكيلية، والغناء الملتزم. هذه المنصات ستعمل على تدريب وتأهيل جيل قادر على تحويل موهبته إلى أداة مقاومة حقيقية، وإلى إنتاج أعمال فنية وأدبية قادرة على حشد الرأي العام العالمي وكشف زيف الرواية الصهيونية التي سيطرت لعقود على الإعلام الغربي.
ولكي ينجح المشروع، لا بدّ من تكامل الجهود الفكرية والسياسية والعسكرية، بحيث تصبح الثقافة والفن حاضنة للمقاومة الميدانية، وصوتًا يرافق خطواتها، وذاكرة تحفظ تضحياتها، وضميرًا يحرّك العالم للضغط من أجل إنهاء الاحتلال. فالمقاومة التي تجمع بين البندقية والفكرة، بين القصيدة والمتراس، بين الكاميرا والخندق، هي مقاومة لا تُهزم، لأنها تمتلك أسباب البقاء والانتصار معًا.
جيل الطوفان اليوم يكتب بدمه وإبداعه وفكره نهاية مرحلة سوداء من تاريخ المنطقة، ويؤسس لزمن جديد عنوانه الحرية واستعادة الأرض والكرامة. وما دام هذا الجيل مؤمنًا بقضيته، ومسلّحًا بثقافة المقاومة وفنها وأدبها، فإنّ الاحتلال مهما امتلك من سلاح ودعم، لن يستطيع أن يهزم شعبًا قرّر أن يعيش حرًّا مهما طال الزمن.