السيسي ونظامه… البقاء للأسوأ

بقلم : جمال الهواري / كاتب وصحفي مصري
عُدنا، كنتُ أتمنى أن أكمل والعود أحمد، فقد توقفت عن الكتابة منذ مدة ليست بالقصيرة لعدة أسباب ليس هذا هو الوقت المناسب للحديث عنها. كنتُ أظن -وقد خاب ظني- أن السيسي ونظامه العسكري قد وصلوا إلى قمة الانحدار والسقوط في مستنقع سوء النية والإدارة معًا، ولم يعد هناك المزيد من الجرائم التي لم تُقترف بعد في حق مصر وشعبها ليقوموا بارتكابها، ولم تعد هناك حاجة لإثبات ما هو معلوم بالضرورة عن الأضرار التي ألحقوها بالبلاد والعباد منذ انقلاب يوليو 2013 الدموي، بل منذ فترة حكم المجلس العسكري عقب ثورة يناير 2011.
لا أعتقد أنني أبالغ لو قلتُ وبكل يقين إن بين السيسي ونظامه وبين الشعب المصري بكافة طوائفه “تار بايت”، وإلا فما السر في استمرار بحث السيسي الدؤوب عن كل ما يمكن أن يجعل من مصر منكفئة على نفسها سياسيًا، تتنازع على التأثير في قرارها السياسي عدة دول بينها تضارب في المصالح، ما يجعل من السياسة الخارجية لمصر تقوم بالشيء ونقيضه إرضاءً لهذا الطرف أو ذاك، مكبلة اقتصاديًا بقروض وديون وسندات يمتد ببعضها تاريخ الاستحقاق لعقود قادمة، ممزقة مجتمعيًا فقد اختفت -بفعل فاعل أو كادت- الطبقة الوسطى التي تُعد بمثابة حلقة وصل وصمام أمان لأي مجتمع حتى لا ينقسم إلى فريقين متباينين لا تربط بينهما أي قواسم مشتركة، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد بانهيار مصر التي نعرفها.
إن كان من واحدة أقرّ بها للسيسي وعصبته فهي القدرة اللامتناهية على مفاجأة الجميع بطرق وأساليب جديدة لتجريد مصر من مقومات الدولة وعزلها عن محيطها الإقليمي بطريقة تجعل من الحليم حيران، وتنذر وبكل وضوح ودون أي مبالغة أن كل دقيقة يبقى فيها السيسي وعصبته العسكرية في سدة الحكم تدفع مصر ثمنها من اللحم الحي سياسيًا واقتصاديًا وجغرافيًا واجتماعيًا. فعلى مر التاريخ لا توجد دولة يخشى شعبها من تغيّر جغرافيتها وبوصلتها إلا لو تم غزوها واحتلالها، وما فعله ويفعله وسيفعله السيسي ونظامه أسوأ من الغزو والاحتلال بمراحل، فهو تنازل عن الأرض والعِرض والمقدرات والثروات، وتركيع للدولة بما فيها ومن فيها باتفاقيات دولية واقتصادية صيغت بطريقة قانونية تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل التخلص منها أو تغييرها مستقبلًا إلا بكلفة وتكلفة باهظة.
فقط لو قمنا برصد وتحليل ما تم توقيعه من اتفاقيات في الشرق والغرب منذ انقلاب يوليو 2013 ومراجعة مضامين وبنود تلك الاتفاقيات -لو أُعلن عنها، وكم من اتفاقيات وُقعت ولا يعلم الشعب عنها شيئًا- والأطراف التي عُقدت معها وما يترتب عليها من التزامات على كل طرف، سنكتشف وبالدليل القاطع أن إرادة مصر باتت رهينة لأطراف خارجية دولية وإقليمية.
المنفعة الرئيسية والوحيدة التي عادت على مصر-العسكرية- هي ضمان رفاهية واستمرارية الطبقة الحاكمة وحاشيتها دون باقي فئات وطوائف الشعب، إذ بات دورها يقتصر على تحمّل وتغطية فواتير الكوارث المتعددة التي نتجت عن الانقلاب العسكري، ففي ظل النظام العالمي الحالي لا شيء مجانيًا للشعوب المغلوبة على أمرها، حتى الموت نفسه، فوسيلة الموت التي يُقتل بها أفراد هذا الشعب المغلوب على أمره أو ذاك قد تأتي في صورة رصاصة دُفع ثمنها من قوت يومه، أو طعام فاسد وملوّث، أو خدمة صحية وتعليمية رديئة، أو في وضعية الهوان والذل وضياع الحقوق في الداخل والخارج.
مخطئ من يعتقد أن الموت فقط حين يُوارى الجسد بالتراب، فهناك الأموات الأحياء، ولدينا قطاعات واسعة من الشعب المصري قد تم قتلهم بإرهاب النظام وتجبّره تارة، وبجعل الحصول على أبسط متطلبات الحياة الأساسية مطلبًا صعب المنال تارةً أخرى. نعم، وبكل المُرّ والعلقم، أعترف أن النظام العسكري الانقلابي الحالي قد قتل مصر وقطاعات واسعة من شعبها وهم على قيد الحياة، ولم يجعل أي أحد أو شيء بمأمن، حتى الموتى في قبورهم ولو إلى حين.
فالسيسي ومن في عسكره ومعسكره يحكمون البلاد والعباد ضمن معادلة واحدة قالها السيسي بنفسه منذ سنوات مضت: إنه في حال قامت ثورة أو محاولة لتغيير نظامه “فالبلد -يقصد مصر- مش هتنفع لينا ولا لغيرنا”. وتلك هي القناعة التي استقرت في وجدانهم -السيسي وعصبته-: لنستمر نحن والنظام بأي ثمن كان، ولتذهب مصر إلى الجحيم.