مقالات

عودة السوريين إلى واشنطن بعد ربع قرن

ممدوح نجم – خاص مراسلين



‏تُكتب الأحداث أحياناً بالدم وأحياناً بالحبر، وفي أحيان تُكتب بالطائرات التي تحط على مدارج المطارات حاملة وزراء خارجية بعد غياب دام ربع قرن كامل.
‏في الخامس والعشرين من الشهر الحالي ، ستهبط طائرة الوزير السوري أسعد الشيباني في واشنطن، هذه الزيارة التاريخية تستدعي التأمل في مسار الدبلوماسية السورية-الأمريكية وتحولاتها الجذرية عبر العقود.


‏رحلة عبر الزمن السياسي

‏كانت زيارات وزراء الخارجية السوريين لواشنطن في العقود الماضية بمثابة علامات فارقة في خريطة العلاقات المعقدة بين البلدين.
‏فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين، شهدت هذه العلاقة مداً وجزراً، تأثرت بالأحداث الإقليمية الكبرى، من الحروب العربية-الإسرائيلية إلى التحولات في الشرق الأوسط والصراعات الداخلية التي عصفت بالمنطقة.



‏إن الفترة الطويلة التي امتدت خمسة وعشرين عاماً دون زيارة رسمية لوزير خارجية سوري لواشنطن تحكي قصة معقدة من التحديات والصراعات.
‏خلال هذه الفترة، شهدت سوريا حرباً مدمرة دامت أكثر من عقد، وعاشت المنطقة تحولات جذرية، وتغيرت الحكومات الأمريكية أكثر من مرة، وانقسم العالم على نفسه مراراً وتكراراً.

‏ دبلوماسية جديدة لعالم جديد

‏زيارة الوزير أسعد الشيباني اليوم لا تأتي من فراغ، بل في سياق جيوسياسي معقد يختلف كلياً عما كان عليه الحال قبل ربع قرن.
‏العالم اليوم أكثر تشابكاً وتعقيداً، والعلاقات الدولية باتت تحكمها معادلات مختلفة تماماً عن تلك التي سادت في نهاية القرن الماضي.

‏الشيباني، الرجل الذي وُلد عام 1987، يمثل جيلاً جديداً من الدبلوماسيين السوريين لم يعش التعقيدات والأحقاد التاريخية بنفس الطريقة التي عاشها أسلافه.
‏ يحمل معه نظرة مختلفة للعالم، نظرة شكلتها التحولات الجذرية التي شهدها بلده والمنطقة في السنوات الأخيرة.

‏نحو مستقبل أكثر تعقيداً وأملاً

‏المراقب للتاريخ يدرك أن الزيارات الدبلوماسية انعكاس لتوازنات القوى والمصالح في اللحظة التاريخية المحددة. زيارة الشيباني تأتي في لحظة حساسة، حيث تحاول الولايات المتحدة إعادة تشكيل استراتيجيتها في الشرق الأوسط، بينما تسعى سوريا لإعادة بناء نفسها وعلاقاتها مع العالم.

‏التحدي الأكبر أمام هذه الدبلوماسية الجديدة يكمن في قدرتها على التعامل مع الملفات المعقدة التي تراكمت عبر السنوات: من العقوبات الاقتصادية إلى القضايا الأمنية، ومن إعادة الإعمار إلى التعامل مع التحديات الإقليمية المتشابكة. هذه ليست قضايا يمكن حلها بزيارة واحدة أو حتى بسلسلة من الزيارات، لكنها تتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأمد وإرادة سياسية من الجانبين.

‏الدبلوماسية في زمن التحولات

‏عندما تحط طائرة تحمل وزير خارجية سوري على أرض واشنطن بعد غياب دام ربع قرن، فإنها لا تحط فقط بالرجل وفريقه، بل تحط بثقل التاريخ وآمال المستقبل معاً. إن زيارة الشيباني رمز لقدرة السياسة على تجاوز الجمود والانطلاق نحو آفاق جديدة.



‏كانت الزيارة الأخيرة من هذا النوع في ديسمبر/كانون الأول 1999، عندما زار وزير الخارجية السوري فاروق الشرع البيت الأبيض لإجراء محادثات سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews