مقالات

الإدارة الإعلامية في زمن الحرب: نموذجا حماس والسودان في مواجهة التحديات

ممدوح ساتي – السودان- مراسلين

الإعلام كسلاح استراتيجي في الحروب الحديثة

في الحروب المعاصرة، لم تعد المعارك تقتصر على ساحات القتال فقط، بل امتدت إلى الفضاء الإعلامي حيث تُخاض معركة موازية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية.

تبرز تجربتا حركة حماس في فلسطين والجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع كنموذجين مثيرين للدراسة في إدارة الإعلام الحربي وتأمين الجبهة الداخلية.
تعتمد هذه المقاله تحليلاً مقارناً لاستراتيجيات الإعلام الحربي بين النموذجين، مستندة إلى أحدث التقارير والمعلومات المتاحة.

المحور الأول: النموذج الفلسطيني – إستراتيجية حماس الإعلامية المتكاملة

  1. التوظيف الاستراتيجي للخطاب الإعلامي

اعتمدت حركة حماس منذ عملية “طوفان الأقصى” على خطة إعلامية محكمة، تمثلت في:

· الظهور المستدام للقادة: حرصت على ظهور قادتها العسكريين والسياسيين بشكل شبه يومي، حيث أصبح المتحدث العسكري “أبو عبيدة” رمزاً للعملية العسكرية بخطاباته التي تحظى بتفاعل واسع .

· إبراز القدرات العسكرية: ركزت الخطابات على إظهار المفاجآت الاستراتيجية والتكتيكية، بما في ذلك استخدام أسلحة نوعية جديدة مثل الطائرات المسيرة والمنظومات الدفاعية محلية الصنع.

· حرب نفسية ممنهجة: استخدمت الإعلام لشن حرب نفسية ضد إسرائيل، مع التركيز على إبراز الخسائر الإسرائيلية والمكاسب الميدانية للفصائل الفلسطينية .

  1. بناء الرواية البديلة

واجهت حماس الرواية الإسرائيلية من خلال:

· توثيق جرائم الحرب: استخدام المحتوى المرئي لنقل معاناة المدنيين وتوثيق الانتهاكات .
· خطاب موجه للرأي العام العالمي: مخاطبة الجمهور الدولي بكسب التعاطف والدعم عبر خطابات مدروسة ومحتوى مخصص .
· تعبئة الجماهير عربياً وإسلامياً: عبر خطابات تحث على المقاومة وتذكير بالثوابت الوطنية والدينية .

  1. التماسك الداخلي كأولوية

حافظت حماس على تماسك الجبهة الداخلية عبر:

· تعزيز صورة الصمود والمقاومة: تقديم نفسها كنموذج للصمود في وجه القوة العسكرية الأعلى .
· تجنب الخطاب الاقصائي والمنافسه السياسية:
ركزت حماس خطابها على مقاومة الاحتلال وليس الصراع الديني أو السياسي، مما وسع قاعدتها الشعبية .
· الاعتماد على البيئة الحاضنة: اعتبار الجمهور الفلسطيني والعربي مصدر قوة، والحرص على عدم خسارة دعمه .

المحور الثاني: النموذج السوداني – إدارة الإعلام في حرب متعددة الأوجه

  1. توحيد الرسائل الإعلامية

في السودان، اعتمد الجيش السوداني استراتيجية إعلامية تركز على:

· إنشاء غرفة عمليات إعلامية موحدة: لتنسيق الرسائل بين المؤسسات العسكرية والمدنية وتجنب التصريحات المتناقضة.
· خطاب وطني موحد: تعزيز الوحدة الوطنية عبر تسليط الضوء على تضحيات الجنود والمواطنين ودور المقاومة الشعبية.
· مكافحة الشائعات: إنشاء وحدات متخصصة للكشف عن المعلومات المضللة والرد السريع عليها.

  1. تعزيز التماسك الداخلي

واجه السودان تحديات داخلية عبر:

· تجميد الخلافات السياسية: تأسيس هيئة قيادية وطنية جامعة وتوجيه الطاقات السياسية نحو دعم الجهد الحربي.
· حماية الجبهة الداخلية من الاختراق: مراقبة أنشطة الجماعات الموالية للخارج وتطوير تشريعات صارمة ضد التعاون مع العدو.
· معالجة المظالم التاريخية: معالجة أسباب الاحتقان المجتمعي التي قد تستغلها القوى الخارجية.

  1. الاستفادة من الدعم الإقليمي

استفاد الجيش السوداني من:

· الدعم العسكري :
استفاد الجيش السوداني من أصدقاء السودان في دعم التسليح النوعي في مواجهة الامداد العسكري المستمر للدعم السريع من القوى المعادية للسودان ، بما في ذلك الطائرات المسيرة والأسلحة والوسائل التقنية المتطورة.

· الدعم الشعبي عبر تشكيلات عسكرية محلية والمقاومة الشعبية :
مثل القوات المشتركة، التي قدمت مقاتلين لديهم معرفة جغرافية عميقة، والاستنفار العام عبر المقاومة الشعبية لتأمين المناطق ليتمكن الجيش من التقدم لتحرير المناطق التي ما زالت تحت سيطرة ميليشيا ومرتزقة الدعم السريع.

المحور الثالث: تحليل مقارن للإستراتيجيات الإعلامية

كل من المقاومة الفلسطينية والجيش السوداني اعتمدا استراتيجيات اعلامية مشابهه لكن هناك اختلاف موضوعي جعلت حركة حماس وغرفة المقاومة الفلسطينية بشكل عام أكثر كفاءة في ادارة المعركة اعلاميا، السودان أقل كفاءة اعلامية لأسباب يمكن تلخيصها في نقاط:
١. رغم أن السودان كدولة وأجهزة هي بالتأكيد أكثر امكانيات وقدرة على التموضع اعلاميا ، لكن الضعف الاداري كان صفه عامه مشتركة في كل أجهزة الاعلام السودانية مما أدى الى ضعف في الاستراتيجية والأداء الاعلامي
٢. لم ينجح الجيش وأجهزة الدوله السودانية في ابعاد واجهات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا عن المشهد الاعلامي ، ذلك أثر على الخطاب الاعلامي وهزم الجيش اعلاميا وأثر على الجبهه الداخلية ، وساعد العدو على استغلال الثغره الاعلامية في استقطاب سياسيين منافسين لتأييد روايته والتحريض السياسي والمناطقي.
٣. لم تكن هناك صرامة في تنفيذ الاستراتيجيه الاعلامية في السودان برغم الامكانيات المالية والتقنية العالية بالمقارنه مع المقاومة الفلسطينية.

  1. التحديات المشتركة

· مواجهة الرواية المضادة:
كلا النموذجين واجها حملات إعلامية معادية مدعومة من خصوم أقوى.
· إدارة التعددية الإعلامية: صعوبة التحكم في الفضاء الإعلامي المفتوح وتعدد القنوات.
· الموازنة بين الشفافية والمتطلبات الأمنية: نقل المعلومات دون الإضرار بالعمليات العسكرية.

المحور الرابع: الدروس المستفادة وتوصيات مستقبلية

  1. دور الإعلام في تحقيق الأهداف الاستراتيجية

· حماس: نجحت في تحويل الإعلام إلى أداة ضغط سياسي وعسكري، مما أجبر إسرائيل على تعديل روايتها والإعلان عن خسائرها تدريجياً .
· السودان: تمكّن من تحويل مسار الحرب لصالحه عبر دمج الإعلام مع الجهود العسكرية والمقاومة الشعبية،برغم القصور.

  1. توصيات للإدارة الإعلامية الفعالة

· إنشاء هيئات إعلامية متخصصة: تطوير غرف عمليات إعلامية قادرة على العمل في بيئات ديناميكية.
· استثمار التقنيات الحديثة: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المشاعر ومراقبة الوسائل الإعلامية.
· تعزيز الثقافة الإعلامية: برامج توعوية لتمكين المواطنين من مواجهة الإعلام المضلل.
· بناء تحالفات إعلامية دولية: كسب التعاطف والدعم الدولي عبر خطاب مدروس.

  1. استشراف المستقبل

· تطور أدوات الحرب الإعلامية: مع تقدم التكنولوجيا، ستزداد أهمية الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في تشكيل الروايات.
· دور الشباب والمنصات الرقمية: سيظل الشباب والمؤثرون لاعبين رئيسيين في تشكيل الرأي العام.
· أهمية المرونة والتكيف: القدرة على التكيف مع المستجدات هي مفتاح النجاح في الإدارة الإعلامية للحروب.

خاتمة: إعلام الحرب بين المقاومة والدولة

تبين تجربتا حركة حماس والجيش السوداني أن الإدارة الفعالة للإعلام في زمن الحرب ليست ترفاً بل ضرورة استراتيجية. بينما ركزت حماس على خطاب المقاومة والتحرر، اعتمد السودان على خطاب الوحدة الوطنية والسيادة. ومع اختلاف السياقات والتحديات، يبقى الهدف المشترك هو كسب معركة الرواية وحماية الجبهة الداخلية.
في الحروب ، يكون الإعلام سلاحاً لا يقل أهمية عن الدبابات والطائرات، والنجاح في المعركه لمن يستطيع توظيفه بذكاء وحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews