لماذا تأخر ترامب في البحث عن السلام لأوكرانيا وغزة.. وهل هناك أسباب خفية!

بقلم : عبدالله الحبابي / الرياض – مراسلين
يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتظر طويلاً قبل أن يدخل فعليًا على خط النزاعات الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الحرب في أوكرانيا والصراع في غزة، لكن تسلسل الأحداث والتصريحات الرسمية يكشف أن هذا الانتظار لم يكن فراغًا سياسيًا بقدر ما كان حسابًا دقيقًا للتوقيت الدبلوماسي. فمع بداية عام 2025، وقبيل تسلّم ترامب السلطة رسميًا، شهدنا اختراقًا كبيرًا في ملف غزة بوساطة أميركية مشتركة بين إدارة الرئيس جو بايدن والفريق الانتقالي لترامب، انتهى إلى إعلان وقف إطلاق نار وتبادل أسرى في يناير 2025. بايدن نفسه قال عند إعلان الاتفاق إن الخطة “تم تطويرها من فريقي وستُنفّذ إلى حد كبير من قبل الإدارة المقبلة”، ما يعكس أن ترامب كان حاضرًا في الكواليس قبل توليه المسؤولية رسميًا.
بعد دخوله البيت الأبيض، تحرك ترامب بشكل أوسع، عارض اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطينية بشكل منفرد، وركز في خطابه الدولي على استعادة الرهائن وضمان وقف إطلاق النار وفق “مبادئ” أميركية يجري العمل على تقديمها بالتنسيق مع قادة عرب ودوليين. هذه الخطوات مثّلت تحوّلًا من مرحلة الانتظار إلى مرحلة صياغة المبادرة الأميركية بشكل يمنحها ثقلاً سياسيًا في المنطقة.
وفي الملف الأوكراني، استقبل ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأبلغه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يريد المزيد” وأن الحل الواقعي يمر عبر تسوية تفاوضية تضمن أمن أوكرانيا، مع استعداد الولايات المتحدة لتقديم ضمانات أمنية كجزء من أي اتفاق سلام محتمل. تصريحات ترامب قبل قمة ألاسكا كانت واضحة حين قال: “أعتقد أن الرئيس بوتين مستعد للسلام، وأعتقد أن الرئيس زيلينسكي مستعد”، مضيفًا أن واشنطن ستسعى لترجمة ذلك إلى صفقة تحفظ الأمن وتوقف النزاع. أما زيلينسكي فجدّد التأكيد على أن أي تنازل عن أراضٍ لا يمكن أن يتم إلا عبر استفتاء ووفق الدستور الأوكراني، وهو ما يعكس استمرار التعقيد في المسار التفاوضي رغم جهود الوساطة.
وفي خضم هذه التحركات، جاءت تصريحات رسمية من بكين لتضيف بعدًا استراتيجيًا للنقاش. فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إن “ما يحتاج إلى إعادة موازنة الآن هو ذهنية الاتحاد الأوروبي، لا علاقاته التجارية مع الصين”، في إشارة إلى الجدل الأوروبي حول مستقبل العلاقات الاقتصادية مع بكين. الرئيس الصيني شي جين بينغ دعا بدوره الاتحاد الأوروبي إلى رفض الممارسات الأحادية وبناء علاقات قائمة على التعاون المتبادل، ما اعتبره محللون رسالة واضحة بأن الصين ترى فرصة لتعزيز نفوذها في ظل انشغال الغرب بأزماته الأمنية. هذه التصريحات، وإن لم يربطها أي مسؤول أميركي مباشرة بتحركات ترامب، فإنها تبرز السياق الدولي الذي يجري فيه هذا التحرك، حيث تتنافس القوى الكبرى على إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي.
الخلاصة أن تأخر ترامب لم يكن انسحابًا من المسرح الدولي بقدر ما كان انتظارًا للحظة المناسبة التي تتيح لإدارته الظهور بموقف قوي يملك أدوات الضغط والتأثير. التحركات الأخيرة في غزة وأوكرانيا تعكس انتقالًا من مرحلة الترقب إلى مرحلة الفعل المباشر، في وقت تتغير فيه معادلات القوة على مستوى العالم. وبقدر ما تبدو هذه الخطوات محاولة لتثبيت دور أميركا القيادي، فهي أيضًا اختبار لقدرة ترامب على ترجمة خطاباته إلى حلول عملية تحقق الأمن وتعيد بعض الاستقرار إلى النظام الدولي المربك.