مواجهة عمار بن جامع لممثل الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة: صرخة الضمير الإنساني في مواجهة الإبادة بغزة

بقلم : آلاء أسيل بوالانوار
شهدت الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة لحظة تاريخية عندما وقف المندوب الجزائري عمار بن جامع وجهاً لوجه أمام ممثل الكيان الصهيوني، في مشهدٍ تجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية إلى تعبير صريح عن الضمير الإنساني في مواجهة الجريمة المنظمة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
جاء هذا الموقف الجزائري متزامناً مع تصاعد حدة العدوان الإسرائيلي الذي صنّفته منظمات حقوقية دولية كـ جريمة إبادة جماعية، في ظل عجز المنظومة الدولية عن فرض وقف لإطلاق النار أو ضمان الحد الأدنى من الحماية للمدنيين.
أولاً: السياق الدولي للمواجهة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، انقسم الموقف الدولي بين دولٍ تؤيد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وفق سردية غربية تقليدية، وأخرى – من بينها الجزائر – تعتبر ما يجري انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف الأربع.
جاء تدخل السفير الجزائري في الجمعية العامة في لحظة حرجة؛ حيث تصاعدت الاتهامات ضد الاحتلال بارتكاب جرائم حرب وإبادة ممنهجة، بينما ظلت مجلس الأمن مشلولاً بفعل استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو).
ثانياً: الخطاب الجزائري في الأمم المتحدة – بين المبدأ والموقف
تميز خطاب عمار بن جامع بالقوة والوضوح، إذ واجه ممثل الكيان الصهيوني مباشرة، رافضاً “تزييف الحقائق” و”شرعنة القتل الجماعي تحت ذريعة الدفاع عن النفس”.
أكد المندوب الجزائري أن السكوت الدولي على المجازر في غزة هو تواطؤ مع الجريمة، وأن الجزائر، استلهاماً من تاريخها الثوري ومبادئ حركتها الدبلوماسية، لن تصمت أمام الإبادة مهما كانت الضغوط.
وقد اعتُبر هذا الخطاب امتداداً لسياسة الجزائر الخارجية القائمة على رفض التطبيع مع الاحتلال ودعم القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، لا مجرد نزاع حدودي أو سياسي.
ثالثاً: البعد القانوني والإنساني للموقف الجزائري
من منظور القانون الدولي، فإن الجرائم المرتكبة في غزة تندرج ضمن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يُعرّف الإبادة الجماعية بأنها “أفعال تُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية كلياً أو جزئياً”.
الجزائر، من خلال مداخلتها، لم تكتفِ بالتنديد الأخلاقي، بل طالبت بتفعيل آليات المساءلة الدولية، بما في ذلك إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية وممارسة الضغط الدبلوماسي لفرض وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وهذا ما يعكس تجذر الالتزام الجزائري بمبادئ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان، مقابل التوظيف السياسي للقانون من قبل القوى الغربية.
رابعاً: أبعاد المواجهة في ميزان العلاقات الدولية
أبرزت المواجهة بين المندوب الجزائري وممثل الكيان الصهيوني تحولاً في طبيعة الخطاب العربي داخل الأمم المتحدة؛ من لغة دفاعية ومهادِنة إلى خطاب مقاوم وحقوقي مؤسس على الشرعية الدولية.
كما أعادت الجزائر بهذا الموقف التذكير بدورها التاريخي كصوتٍ للدول المستضعفة، وكجسرٍ بين الجنوب العالمي ومنظومة العدالة الدولية.
على المستوى الرمزي، مثلت هذه المواجهة انتصاراً معنوياً للحق الفلسطيني، وأظهرت أن الضمير الدبلوماسي لا يزال له مكان في قاعات الأمم المتحدة رغم هيمنة منطق القوة.
إن مواجهة عمار بن جامع لممثل الكيان الصهيوني لم تكن مجرد حادثة كلامية في منبر أممي، بل كانت إعلاناً واضحاً لموقف الجزائر المبدئي والإنساني في الدفاع عن الشعب الفلسطيني.
لقد حملت هذه المواجهة رسالة إلى العالم مفادها أن العدالة لا تسقط بالتقادم، وأن الحق في الحياة والحرية للشعب الفلسطيني هو جزء من معركة الإنسانية ضد الإبادة والتطهير العرقي.
بهذا المعنى، أعادت الجزائر عبر ممثلها الروح إلى الدبلوماسية الأخلاقية التي تضع الإنسان قبل المصالح، والقانون قبل الحسابات السياسية.