مقالات

ما قصة مقهى مخيم طولكرم التي تحدث عنها افيخاي أدرعي؟


بقلم: أحمد يوسف ضميري

قبل أيام، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي الناطق بالعربية (أفيخاي أدرعي) مقطع فيديو له من داخل مخيم طولكرم، وتحديدًا من حارة السوالمة، تحدّث فيه عن المقهى الذي قصفه جيشه قبل نحو عام، زاعمًا أن المقهى كان مقرًا أو غرفة عمليات تابعة للفصائل المسلحة في المخيم.
قال أدرعي في الفيديو: “أتواجد هنا بالقرب من المقهى في مخيم طولكرم، المكان الذي جلس فيه مخربو حماس وغيرهم من التنظيمات الإرهابية وخططوا لعمليات ضد بلدات إسرائيلية قريبة أو ضد قوات جيش الدفاع العاملة في المنطقة.”
لكن هل كانت روايته صحيحة فعلًا؟
لنعد إلى بداية القصة.
تأسس المقهى عام 2023م من الأخوين (نمر وعمر فيات) من مخيم طولكرم؛ بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للعمال الفلسطينيين العمل في الداخل الفلسطيني المحتل. مع أن نمر كان مسعفاً وعمر (وهو زوج ابنة ابن عم أبي) كان مهندساً؛ لكن لقلة الرواتب وازدياد الحاجيات اليومية، كان الاحتياج لعمل إضافي لاسيما في الداخل الفلسطيني ضرورةً، وعندما أغلق الاحتلال المعابر بسبب السابع من أكتوبر، اضطر الأخوين إلى فتح هذا المقهى وسموه “قهوة نمر”. وقد كان المقهى في عمارة “دار كنعان” المكونة من ثلاثة طوابق، وهو في الطابق الأرضي وبجانب المقهى “معجنات الأخوة” وهو بين حاراتي “السوالمة” و”الحمام”.
كان المقهى يفتح من ساعات الصباح الباكر إلى منتصف الليل، ويتناوب الشقيقان على العمل فيه وخدمة زبائنه من أبناء المخيم.
بعد السابع من أكتوبر، تعرّض المخيم لسلسلة من الاجتياحات والإغلاقات المتكررة. وكان المقهى قريبًا من حارة السوالمة، التي تواجد فيها العديد من المسلحين بسبب وجود أشرف نافع، قائد كتائب القسام في المخيم آنذاك.
وكان بعض الشبان –كما يروى– يختبئون أحيانًا داخل المقهى عند الاقتحامات المفاجئة خوفًا من بطش الاحتلال وطائراته المسيرة، حتى أصبح المقهى يُعرف بين الناس باسم “قهوة خبيني”.

واللافت أنه عندما داهم جيش الاحتلال حارة السوالمة لهدم منزل أشرف نافع بعد اغتياله، لم يقتحم المقهى ولم يتعرض له بسوء. لكن بعد نحو شهر من تلك العملية، عاد واقتحمه مجددًا وهو خالٍ من الزبائن، فاكتفى بكسر بابه وإحراق بعض الأثاث بداخله.
فعندما رأى نمر الفيات (صاحب القهوة) الكنب محرق، اضطر لشراء كنب آخر للقهوة حتى يجلس عليه الزبائن، ولكن من البالة (أي: من المستعمل) لرخص الثمن. فاقترح عليه ابن عمه “طارق الفيات” أن يجلب كنباً رخيص الثمن من أجل قهوته. فوافق نمر، وهذا ما كان بالفعل. اشترى نمر الكنب من ابن عمه طارق، ووضعها في المقهى، وافتتح المقهى من جديد.
في ذلك الوقت، عُيّن زاهي العوفي قائداً لكتائب القسام في مخيم طولكرم خلفاً لأشرف نافع، وكان يلقب حينها بـــ (طوفان)، وكان مختفياً طوال الوقت لا يرى أثره في المخيم ولا يعرف مكانه.
وفي الفاتح من شهر أكتوبر 2024م، حدثت مشكلة بين شباب الكتائب في المخيم، فتم استدعاؤه من قبل الكتيبة للضرورة لحل هذه المشكلة، فجاء إلى المخيم، ليلة الخميس الثالث من أكتوبر عام 2024م، وفي تلك الليلة.
دخل زاهي العوفي المقهى (قهوة نمر) ومعه بعض من الشباب، إضافة إلى غيث رضوان (قائد كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس)؛ لتدارس المشكلة وحلها. وبمجرد دخولهم إلى المقهى وجلوسهم فيها، تحركت الطائرات المسيرة وقصفت المبنى بشكل مباغتٍ، بصاروخ موجه إلى القهوة. ولم يكن الأمر إلا لحظة، حتى دوى الانفجار في أرجاء المخيم، وتعالت أصوات الصراخ، والدخان الكثيف ملأ المكان. وتدمرت القهوة، بل العمارة بأسرها صارت حطاما.
هرع نمر الفيات إلى موقع المقهى، ليتفاجأ بمشهد مروّع: أشلاء متناثرة على أسلاك الكهرباء وفي أزقة المخيم، فغُشي عليه من هول المنظر وشدة الدخان.
استشهد في الحادث عمر فيات (أبو كنان) الذي كان يُعد القهوة والطعام للزبائن، إلى جانب زبائن القهوة الذين لم يكونوا مسلحين –بحسب شهادة نمر الفيات في لقاء تلفزيوني–، كما استشهد جميع من كان في العمارة، ليصل العدد الإجمالي إلى ثمانية عشر شهيدًا من الرجال والنساء وكبار السن، وطفلين هما: كرم وشام أبو زهرة.

بل حتى بعض المارة في الطريق لقوا حتفهم في تلك المجزرة المروعة. وينتمي الشهداء إلى عائلات عدة من المخيم: خريوش، أبو زهرة، سلامة، طنجة، نافع، الفيات، العوفي، قوزح، وغيرها..
بعدها جاء الإسعاف والدفاع المدني وغيرهم، ليتفقدوا هذه المجزرة، وتفاجؤوا بأجهزة اتصال وتنصت ظهرت في الكنبة بعد احتراقها وتفحمها.
والعجيب آن ذاك، وقد كان مدار حديث الناس، وما سمعته من أهل المخيم –كما يشاع- أن طارق الفيات كان يراقب المقهى من بعيد، وبعد القصف، غادر الموقع متجهاً إلى شارع الوكالة راكباً سيارة بيضاء كانت في انتظاره ليختفي بعدها عن المخيم.
كل هذه القصة رويتها لك عزيزي القارئ كما حدثت، وكما عايشتها وسمعتها، لتقارن بين الحقيقة وبين ما رواه الناطق باسم جيش الاحتلال، الذي صور المقهى الذي يجلس فيه الناس للعب الشدة وأكل بعض من المناقيش وشرب القهوة كمركز عسكري للعمليات، وصور عملية القتل كأنها للمقاومين فقط، مخفياً تلك المجزرة المروعة التي تسبب بها جيشه.
هذا هو ديدن الاحتلال في إعلامه، يذكر رواية تشتبك مع الحقيقة في جانب، وتختلف عنها في جوانب عديدة، ويصيغها بطريقة تجعل منها رواية أخرى مغايرة للحقيقة التي شهدها وعايشها من كان فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews