ثقافة وفن

سوريا… أحياء حماة التي تحفظ ذاكرتها: حيّ الطوافرة نموذجاً للعراقة المملوكية

أنس الشيخ أحمد – مراسلين

على ضفاف نهر العاصي، وفي قلب مدينة حماة القديمة يمتد حي الطوافرة الأثري كواحد من أكثر الأحياء حفاظاً على هويته العمارية منذ أكثر من سبعمئة وخمسين عاماً.

نشأ الحي في عام 1260 ميلادي خلال العهد المملوكي، وظلّ منذ ذلك التاريخ شاهداً على تاريخ المدينة ووجهة محببة للسياح والباحثين عن جمال العمران القديم وروح المكان.
عند دخول الأزقة الأولى للحي، يتقدّم صوت النواعير الثلاث التي تحيط به، وهي النواعير العثمانية والمؤيدية والمامورية، ليشكّل هذا الصوت الخشبي المائي افتتاحية لا يمكن فصلها عن التجربة البصرية والعاطفية للمكان. فالنواعير هنا ليست معلماً تاريخياً فحسب، بل عنصر حياة مستمر يتكرر منذ قرون ويعكس الطقوس اليومية لأهالي حماة الذين ارتبطوا بها وجدانياً على مرّ الزمن.

ينتمي الحي إلى منطقة الباشورة، إحدى أقدم المناطق المأهولة في المدينة، إذ سكنتها العائلات منذ القرن السادس الهجري. وتبرز في داخله مدرسة العصفورية التي شيّدها نجم الدين توتان عام 584 هجري، وهي من أقدم المدارس في محافظة حماة ومن شواهد العمارة المملوكية التي لا تزال محافظة على عناصرها الأساسية.

ويمتاز حي الطوافرة بنسيج عمراني متكامل يجمع بين القصور والبيوت العتيقة والحمامات القديمة والخانات والمطاعم والمحال الصغيرة، ما يجعل زيارته تجربة تجمع بين التاريخ والحياة اليومية في آن واحد. ويشير الباحث في السياحة والآثار غالب الصواف إلى أنّ الحي مسكون بالذاكرة قبل أن يكون مسكوناً بالسكان، ويشرح أن تكامله العمراني وتنوع مبانيه يجعلان منه واحداً من أهم المواقع القابلة للتطوير السياحي إذا ما توفّر له الدعم اللازم.
ورغم أعمال الترميم التي نفذها مجلس المدينة في سنوات سابقة،

لا يزال الحي بحاجة إلى عناية إضافية لحماية مبانيه من التآكل وتحسين الخدمات التي تقوّي قدرته على جذب الزوّار. ومع ذلك، لا يزال المكان ينبض بالحياة من خلال الأزقة التي يسكنها الأهالي والمتاجر الصغيرة التي تفتح أبوابها عند الصباح وروح حماة التي تتشكّل بين حجارة البيوت وصوت النواعير.
ويمتلك حي الطوافرة مقومات كبيرة تجعله أحد أبرز المواقع المرشحة لتطوير السياحة الثقافية في سوريا،

فموقعه القريب من النواعير، ومعالمه التاريخية المتعددة، وسحر عمارة العهد المملوكي يمنحانه قيمة لا يمكن الاستغناء عنها في رسم صورة المدينة وتاريخها. وبين الماضي الذي يتنفس في جدرانه والحاضر الذي يتحرك في طرقاته، يبقى الحيّ صفحة مفتوحة من تراث حماة تنتظر المزيد من الاهتمام والتطوير ليكتمل جمالها ويُحافظ على أصالتها للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews