مقالات

عبد القادر الصالح… قائد صنع رمزاً خالداً في ذاكرة الثورة السورية

أنس الشيخ أحمد-مراسلين

“طفولة بسيطة شكلت شخصية استثنائية”

وُلد عبد القادر الصالح، المعروف بلقب حجي مارع، في بلدة مارع بريف حلب الشمالي، وسط عائلة بسيطة تعمل في الزراعة وتجارة المحاصيل. منذ صغره عُرف بأخلاقه العالية وهدوئه وقربه من الناس، وكان محبًا لمساعدة الآخرين وملتزمًا بقيم تربى عليها داخل بيئة ريفية محافظة. عاش حياته بعيدًا عن السياسة والأضواء، قبل أن تتغير مسيرته بالكامل مع اندلاع الثورة السورية.

“من تاجر إلى ثائر… تحوّل فرضته الأحداث”

مع انطلاق المظاهرات السلمية عام 2011، لم يتردد عبد القادر في الانضمام إليها، مدفوعًا بإحساس عميق بالمسؤولية تجاه أهله وجيرانه. ترك عمله التجاري وانخرط تدريجيًا في تنظيم الحراك، ثم انتقل إلى العمل العسكري مع تصاعد العنف ضد المدنيين. كان انتقاله من حياة التجارة الهادئة إلى ميادين الثورة تحوّلًا مفصليًا رسم ملامح شخصيته القيادية اللاحقة.

“تأسيس لواء التوحيد… حلم جمع الناس حوله”

مع توسع العمل المسلح في الشمال السوري، شارك عبد القادر في تأسيس لواء التوحيد الذي سرعان ما أصبح من أكبر التشكيلات العسكرية في ريف حلب. تميّز اللواء بطابعه الشعبي وانفتاحه على أبناء القرى والبلدات دون أي انتماء حزبي، مما أكسبه تأييدًا واسعًا بين الأهالي والمقاتلين. كان الصالح في قلب هذا المشروع، يعمل بين رجاله ويتابع تفاصيله لحظة بلحظة.

“قائد ميداني يعيش بين جنوده”

ما ميّز عبد القادر أنه لم يكن قائدًا من الخلف؛ بل كان حاضرًا في الخطوط الأولى لمعظم معارك حلب وريفها. شارك المقاتلين طعامهم وخطرهم، وقضى معهم ساعات طويلة في التخطيط والتحضير. شكّل وجوده بينهم مصدر قوة وثقة، إذ رأوا فيه قائدًا يتقدمهم في كل مواجهة، ويعمل بصمت بعيدًا عن المظاهر العسكرية والشعارات.

“معارك حلب… ساحات أثبتت حضوره وحنكته”

قاد الصالح عمليات واسعة في أحياء حلب الشرقية، وكانت من أكثر الجبهات تعقيدًا. أشرف بشكل مباشر على حماية المدنيين وتأمين طرق الإمداد والرد على الهجمات. أظهر خلالها قدرة واضحة على إدارة المعارك بكفاءة، ما جعله أحد أبرز القادة الميدانيين في الشمال السوري.

“إصابات متكررة لم توقف عزيمته”

تعرض عبد القادر لإصابات خطيرة، بعضها كاد يودي بحياته، لكنه كان يعود إلى الميدان سريعًا بعد العلاج رافضًا الابتعاد عن رفاقه. كان يرى في جراحه شهادة على صدق الطريق الذي اختاره، ويؤمن بأن مكان القائد الحقيقي هو بين جنوده، لا في غرف القيادة البعيدة عن الخطر.

“لحظة الرحيل… غارة غيّرت مسار الثورة”

في الثامن عشر من تشرين الثاني عام ألفين وثلاثة عشر، استهدفت طائرات النظام السوري مقر قيادة لواء التوحيد في ريف حلب، فأصيب عبد القادر إصابة بليغة أدت إلى استشهاده بعد ساعات. شكل رحيله صدمة كبيرة في الشمال السوري، حيث فقد الناس قائدًا مثّل نقطة توازن ووحدة بين مختلف القوى الثورية، وشخصية استطاعت أن تجمع حولها آلاف المقاتلين.

” اسم لا يغيب عن أي ساحة أو ذاكرة”

ورغم مرور السنوات على استشهاده، ما يزال اسم عبد القادر الصالح حاضرًا في كل فعالية ثورية، وفي كل ذكرى تتعلق بحلب أو بالثورة السورية عمومًا. تحضر صورته في اللافتات والمهرجانات والخطابات، ويحمل الكثير من الشباب سيرته كنموذج للقائد الذي عاش بين الناس وقاتل من أجلهم. بقي حجي مارع رمزًا للصدق والبساطة والقوة، وقصة تلهم كل من آمن بأن الحرية تستحق التضحية. وما دام السوريون يتمسكون بثورتهم، سيظل عبد القادر الصالح حاضرًا بينهم، اسماً وقيمة ومسيرة لن تُمحى مهما طال الزمن.

Rita Abiad

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، مهتمة بتغطية الأخبار الرياضية وتحليلها بالإضافة الى خبرة في إدارة منصات التواصل الإجتماعي وانتاج محتوى تحريري بدقة عالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews