كيف نشأت وهل تعد جيشا موازيا؟.. اتفاق على دمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني خلال 5 أيام

انتهى اجتماع القصر الرئاسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على توقيع اتفاق الدمج خلال 5 أيام.
وفي تصريحات سابقة قال محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة وقائد الدعم السريع إنه ملتزم بدمج قواته في الجيش وفقا لما نص عليه الاتفاق الإطاري، لكنه شدد على أن عملية الدمج تحتاج إلى إجراءات وخطوات محددة ووفقا لجدول زمني يتم الاتفاق عليه.
وتفاهم المجتمعون على توقيع الاتفاق الإطاري في السادس من أبريل الجاري، بعد حل نقاط الخلاف بينهم.
و أدت الخلافات التي عصفت بين ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حول قضية دمج عناصر الأخيرة ضمن القوات المسلحة، إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي الذي كان مقرراً اليوم السبت إلى موعد لاحق.
و أكد أن جميع الأطراف ستواصل انخراطها في مناقشات جادة، من أجل تجاوز العقبات الأخيرة في طريق الوصول لاتفاق يسترد مسار التحول المدني الديمقراطي، وتتشكل بموجبه سلطة مدنية تقود المرحلة الانتقالية في البلاد.

يشار إلى أن المشاركين (مدنيين وعسكريين) كانوا فشلوا بورشة الإصلاح الأمني والعسكري، الأربعاء الماضي، 29 مارس، في الخروج بتوصيات حول مواضيع الإصلاح ودمج القوات المسلحة، حيث احتدت النقاشات في صباح ذلك اليوم بين ضباط من الجيش وآخرين من الدعم السريع.
واتفقت الأطراف السودانية المدنية والعسكرية بعد أشهر من المناقشات والخلافات، على التوقيع على اتفاق سياسي نهائي في الأول من أبريل، والتوقيع على مسودة الدستور الانتقالي في 6 منه، والبدء في تشكيل السلطة الانتقالية بحلول 11 من الشهر ذاته، من أجل العودة إلى المسار الديمقراطي الطبيعي في البلاد، وتسليم الحكم إلى سلطة مدنية خالصة، إلا أن الخلافات الأخيرة التي عصفت بين الجيش والدعم السريع أجلت تلك المواعيد.
من هي قوات الدعم السريع؟ وهي هي جيش مواز؟
أثارت التصريحات المتبادلة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، حالة من التوجس والتوتر الشديدين في الشارع والأوساط السياسية من مواجهة عسكرية محتملة، بسبب انفراد كل منهما بجزء من الجيش والقوات المسلحة.

إلا أن الطرفين سارعا للتأكيد أن هذا لن يحدث، ولكن على الرغم من ذلك تظل المخاوف ماثلة لا تزيلها التصريحات بعد وجود خلافات.
في أول انتقال من خلافات مكتومة إلى الهواء الطلق في السودان، بادر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مخاطبة لتجمعات أهلية بشمال البلاد يناير الماضي، بالقول «إن التحدي الذي يواجه الاتفاق الإطاري، هو دمج الدعم السريع الذي يترأسه محمد حمدان دقلو في الجيش»، ولحق به اثنان من كبار القادة العسكريين في مجلس السيادة، هما شمس الدين الكباشي وياسر العطا، بالتشديد على المطالبات ذاتها.
لتصبح السودان التي يتحدث فيها سلطاته الحاكمة عن الديمقراطية، دولة بها جيشان.
و أظهرت تصريحات القادة العسكريين محاذير من تحول قوات «الدعم السريع» إلى «جيش موازٍ» للمؤسسة العسكرية في البلاد، بعدما تنامت قوتها في سنوات قلائل لتصبح رقماً عسكرياً وقوة اقتصادية مؤثرة بقوة في المشهد السياسي، لا يمكن تجاوزها.
«حميدتي» قائد جيش مواز
قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يقتسم السلطة مع عبد الفتاح البرهان، جاء في خطاب وجهه للشعب السوداني الشهر الماضي؛ بالتأكيد على التزامه بالاتفاق الإطاري بخصوص تكوين الجيش الواحد وفق جداول زمنية متفق عليها، والانخراط في عمليات الإصلاح الأمني والعسكري، واتهم أنصار النظام المعزول، «بالوقيعة بين قواته والجيش».
ورأى «حميدتي» أن العملية السياسية «تطاول أمدها» وحان وقت إنهائها عبر حل سياسي، وتشكيل سلطة مدنية انتقالية تقود البلاد، وتعود بموجبها المؤسسة العسكرية إلى الثكنات لتتفرغ لأداء مهام حماية حدود وأمن البلاد، وهو ما عده مراقبون موقفاً في إطار الضغوط المتبادلة بين القوتين.
شقيق حميدتي الذي ينوبه في قيادة «الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو، قد قطع باستحالة وقوع اشتباكات بين «الدعم السريع» والجيش، مؤكداً أن الطرفين لن يرفعا البندقية في وجه بعضهما بعضاً.
واستبعد خبراء سودانيون، خروج الجيش و«الدعم السريع» كلياً من المشهد السياسي، على الرغم من إقرار ذلك نصاً في الاتفاق يقضي بانسحاب الجيوش، وعودتها إلى الثكنات، وإفساح المجال للقوى السياسية الموقّعة على «الإطاري» لتشكيل حكومة تنفيذية بقيادة مدنية.
وأشاروا إلى أن نفوذ البرهان و«حميدتي» في السلطة المدنية المقبلة سيظل مؤثراً في ظل وجودهما في قيادة الأجهزة النظامية في البلاد. وأردفت، أنه قد لا يكون ظاهراً في أداء السلطة التنفيذية، ذلك أن الاتفاق الإطاري منح العسكريين صلاحيات فيما يتصل بالملف الأمني والعسكري.
كيف نشأت قوات الدعم السريع (الردع)؟
نشأت قوات «الدعم السريع» رسمياً كقوات شبه نظامية تابعة لجهاز الأمن الوطني – جهاز المخابرات الوطني حالياً – خلال أغسطس 2013، وذلك بعدما كانت قوات صغيرة تابعة لقوات حرس الحدود. ولعبت دوراً كبيراً في حرب الحكومة الإسلامية ضد الحركات المتمردة ضدها في إقليم دارفور بوجه خاص، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وفي يوم 18 يناير 2017 أجاز البرلمان أثناء حكم الرئيس المعزول عمر البشير «قانون قوات الدعم السريع»، وانتقلت تبعيتها من إمرة جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة السودانية – أي الجيش – .
ونص القانون، على أنها قوات تابعة للقائد العام للجيش، وتقول ديباجة القانون «الدعم السريع قوات عسكرية قومية التكوين، وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية».
إلا أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي (وقتها) الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أصدر في 30 يوليو 2019 مرسوماً دستورياً، عدّل بموجبه قانون قوات «الدعم السريع»، وقضى بحذف المادة (5) من القانون، التي تنص على «الخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة، بجميع فقراتها؛ ما جعلها منذ ذلك التاريخ شبه مستقلة عن الجيش».
وهكذا، تبدو «قوات الدعم» في الوقت الحالي تابعة للجيش «شكلياً» وقانون القوات المسلحة السودانية، لكنها في الواقع تدين بولاء كبير لمؤسسها وقائدها «حميدتي» ونائبه شقيقه عبد الرحيم، ولا تملك قيادة الجيش إقالة قادتها، لا سيما بعد المرسوم الذي أصدره وألغى بموجبه تبعيتها القانونية للجيش السوداني.
كيف صعدت قوات الدعم في السودان؟
برزت قوات «الدعم السريع» بصورة أكبر في المشهد السياسي إبان «ثورة ديسمبر 2018»، وعلى وجه الخصوص بعد اشتداد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد المطالبة بإسقاط حكم الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، إثر قرار قائدها الانحياز لقوى المعارضة في الشارع. وأسهم ذلك الموقف بشكل كبير في الإطاحة بحكومة البشير، ليتوج نفسه لاعباً رئيسياً في الأحداث، إن لم يكن المتحكم «الرئيسي» في عملية التغيير إلى جانب الجيش.
وبعد التغيير الذي حدث في البلاد والإطاحة بنظام البشير، تحوّلت «قوات الدعم» من تشكيلات عسكرية خفيفة يطلق أعداؤها عليها لقب «جنجويد»، وينحصر دورها في قتال الحركات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق دفاعاً عن نظام الإسلاميين، إلى قوة عسكرية نظامية خارج إطار الجيش.
وحظيت «الدعم السريع» حقاً بالقبول وسط الثوار على أيام الثورة الأولى، وظهر وقتها شعار «حميدتي الضكران الخوف الكيزان». لكنها خسرته دفعة واحدة، بعد جريمة فض اعتصام القيادة العامة التي راح ضحيتها المئات بين قتيل ومفقود، واتجاه الأنظار وقتها بشكل أساس إلى دور «الدعم السريع» في العملية. ومع أن الجيش اعترف «علناً» بتخطيط العملية، واعتبر قائد «الدعم السريع» أن ما تم محاولة لتوريطه، فإن الإصبع الرئيسي دائماً ما كان يشير إلى فيديوهات للعملية تظهر فيها أعداد كبيرة من القوات المشاركة في العملية وهي ترتدي أزياء «الدعم السريع».

وانخفضت شعبية قوات الدعم أكثر بمشاركة «حميدتي» وقواته في انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021، بتصريحاته الشهيرة إبان الإعداد للانقلاب «نحن غفراء، لا يمكن أنت تحميه، يقول إنك خصم على رصيده السياسي، لن نجلس مع المدنيين على تربيزة واحدة، إلا بوفاق، ولتمطر حصو اليوم قبل الغد». لكن الرجل عاد أخيراً واعتبر ما حدث انقلاباً فاشلاً، ما قرب بينه وبين القوى المدنية.
ووفقاً لتقارير سودانية، فإن لـ«الدعم السريع» الآن مقار وثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن المخابرات الوطني ومقار تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول، كما أنها تنتشر بشكل واضح في إقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، إلى جانب مناطق حدودية مع دول الجوار الأفريقي.
ومع أنه لا توجد إحصائيات منشورة بعدد قوات «الدعم السريع»، تقدر تقديرات سابقة العدد بأكثر من 40 ألفاً من الضباط وضباط الصف والجنود. وظلت عملية التجنيد مفتوحة طوال السنوات الماضية، ما يرجح تزايد أعدادها إلى الضعف. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددها تجاوز المائة ألف مقاتل.
أيضاً لا تعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها هذه القوات بين حين وآخر، تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروز بك آب» مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وفي وقت سابق نفت «الدعم السري: شائعات راجت عن حصولها على أنظمة تجسس دقيقة ومسيرات متطورة، واتهمت جهات لم تسمها بالعمل على تشويه صورتها».
وصنعت «الدعم السريع» في وقت وجيز شبكة علاقات إقليمية ودولية واسعة من خلال مشاركتها في التعاون والتنسيق مع دول أوروبية في ملف الحد من الهجرة غير النظامية، وكذلك مشاركتها ضمن التحالف العربي في الحرب اليمنية، وعلاقات قائدها بعدد من الزعماء والقادة العرب والأفارقة؛ ما مهد له أن يكون جزءاً مهماً من المعادلة العسكرية والسياسية والاقتصادية داخل البلاد، بل وفي الإقليم.
وحسب لواء متقاعد في جهاز الأمن والمخابرات السوداني، نقلت عنه صحيفةـ«الشرق الأوسط»، إن عملية دمج القوات بسيطة وعادية، ولكن في الحالة السودانية التعقيد يأتي من طبيعة تكوين قوات «الدعم السريع. ويشير في ذلك إلى الطابع القبلي والجهوي الذي يغلب على تلك القوات، وارتباطها بقيادة تاريخية بعينها شكلت هذه القوات في إشارة إلى قائدها (حميدتي)».
وتابع اللواء المتقاعد «أن ظروفاً وأسباباً كثيرة أدخلت القيادة التاريخية هذه القوات في المعادلة السياسية وأصبح لها موقف سياسي ومؤثر في مجريات الأحداث». بيد أنه عاد ليؤكد وجود «عوامل إيجابية» تخفف من صعوبة دمج هذه القوات على الرغم من الطابع القبلي الحاد، من بينها أنها ضمت في الآونة الأخيرة أفراداً من جهات وقبائل أخرى، وأن قياداتها الوسيطة غير منعزلة عن التكوينات العسكرية، وتضم ضباطاً برتب عليا من الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.
ويذهب المصدر إلى القول، إن بعض الظروف سمحت لقوات «الدعم السريع» بالتمدد الإقليمي والدولي. وعدّ ذلك «سلاحاً ذا حدين» قد يكون ضدها أو في صالحها؛ لأن هذا العامل الخارجي الذي يدرك التعقيدات في البلاد، يمكن أن يحدّ من طموحات قيادتها، لكن في الوقت ذاته، يفتح الطريق أمامها على موقع مناسب معقول في معادلة السلطة. ووفق اللواء متقاعد، فإن العملية الفنية لدمج «الدعم السريع» أو غيرها من المجموعات المسلحة في الجيش يسيرة، ويمكن أن تمضي بسلاسة، بعزل وتفكيك الولاءات للقيادات التاريخية إلى قيادة زمنية.

من ناحية أخرى، استبعد اللواء متقاعد بشدة حدوث صدامات عسكرية بين الجيش و«الدعم السريع»، وقال، إنه لا توجد خلافات بين البرهان و«حميدتي» يمكن أن يصل إلى حد المواجهة، وإلى أن التراشق المتبادل بين الرجلين فُسِّر على أنه ناتج خلافات بينهما، لكنه في حقيقة الأمر موجه إلى جهات أخرى. واختتم كلامه بالقول «البرهان وحميدتي سيصلان إلى تفاهمات في وقت قصير تبقيهما في السلطة لسنوات مقبلة… والحديث عن انسحاب الجيش والدعم السريع من المشهد السياسي كما يتصور البعض عبر (اتفاق إطاري) أو غيره لن يحدث». وأردف «ربما تشكل حكومة مدنية انتقالية في البلاد، لكن نفوذ البرهان وحميدتي في سلطة الدولة لن يتأثر».