
بقلم : هناء محمد/ طرابلس ليبيا
تحُل اليّوم الذكرى 94 لاستشهادِ شيخ المُجاهدين، وسيدُ المناضلين، وبوصلة المُقاتلين في دروب القِتال. نشأ في ربُوع القرآن، وارتوى من العلوم الدينيَة ما شكلَ رؤيته المستقيمة تجاه الحياة، حرصَ على أن يتشكلَ فكره بآفاقٍ ينتفعُ بها الوطن ويُشرق، وهو ما عكستهُ مواظبته المستمرة على تجهيز عقلهِ وقلبهِ لما هو آتٍ، أمرٌ ما كانَ ليتخيلهُ.
وُلد عُمر المختار في مدينة البطنان الواقعة في الجبل الأخضر بينَ عاميّ 1862و 1858، اهتمَ بهِ والده، وأبدى حرصه على أن يتلقى تربيةً إسلاميَّة كانت لتعاليم الحركة السنوسية القرآنية دورًا محوريًا فيها. لم يقدّر لعُمر أن يعيشَ في كنفِ والده طويلًا؛ فقد شاءَ القدر أن يتوفى الله والده أثناء توجههِ إلى مكَّة لأداء فريضة الحج. قبل وفاتهِ بقليل، طالبَ صديقهُ أحمد الغرياني بأن يُبلّغ شقيقه بمهمّة الاعتناء بولديه عمر ومحمد، وهو ما حظيَ بقبولٍ فوريّ دون تردد من قِبلهِ. تولّى رعايتهما بحرصهِ على التحاقهِما بمدرسة القرآن الكريم بمدينة الزاوية، ثم ألحقَ عمر المختار بالمعهد الجغبوبي بغية أن ينضم إلى طلبة العلم. تمكنَ عُمر من فرضِ نفسهِ دون عناء أمام المشائخ والمعلمين لما تمتع بهِ من خصالٍ كونت جوهره، وأسهمت في تطوره اللافِت بسبب نباهتهِ المُبكرة، ولم يكن هذا يتوقفُ فقط على بيئتهِ العلمية، فقد امتدت أيضًا للبيئة التي ترعرعَ فيها، وهي أماراتٌ كانت تجهزهُ لدرب النضال المتقِد في داخلهِ.
في عام 1911، أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت بإنزال قواتها في مدينة بنغازي في 19 أكتوبر. في تلك الأثناء كان عُمر المختار متواجدًا في مدينة الكفرة ضمنَ زيارةٍ اعتيادية في ضيافة سنوسيين.
وفي طريق عودته مرَّ بواحة جالو، وعلم أثناء تواجده فيهت بنزول القوات الايطالية، فعاد مسرعًا إلى زاوية القصُور لتجنيد أهلها من أجل مقاومة الإيطاليين. قاد عمر المختار المعارك ضد الطليان تحت إمرة القائد أحمد الشريف السنوسي، الذي سلم القيادة للأمير محمد إدريس السنوسي فأصبحَ الأخير قائد المقاومة الليبية، وعيّنَ عمر المختار نائبا له.
استمر المختار في قيادة المقاومة الليبية حتى وقع في الأسر في 11 سبتمبر 1931، إذ شاهدتهُ وحدة استطلاع إيطالية حينما كان متوجها بصحبة عددٍ من رفاقه لزيارة ضريح الصحابي «رويفع بن ثابت» بمدينة البيضاء.
سارعت الوحدة تبلغُ «قيادة الجبل» برصد الشيخ المجاهد، وإثر اشتباك في وادٍ من الوديان القريبة من عين اللفو، جُرح حصان المختار فسقط أرضا ووقع عقبَ ذلكَ في الأسر بيد الطليان.
بعد أربعة أيام من الأسر، أيّ تحديدًا في 15 سبتمبر 1931، جرت محاكمة «صُورية» له، إذ انتهى الطليان من ترتيبات الإعدام وأعدوا المشنقة سلفًا قبل بدء المحاكمة، صدرَ الحكم في حقِ عمر المختار، ونُفِذَ إعدامهُ شنقا في 16 سبتمبر 1931 ببلدة سلوق جنوب مدينة بنغازي، ليكون ذلك مشهد النهاية لأكثر أبطال ليبيا شعبيةً ونضالاً على مدار التاريخ، ويسجل اسمه كأيقونةٍ للنضال، ومقاومة المحتل في العالم.
صدحَ لسانهُ بعبارتهِ الشهيرة: “نحنُ لن نستسلم ننتصِر أو نمُوت”. ليُخلد بذلك رسالة لكل مقاومٍ يناضلُ من أجل أرضهِ وشعبهِ؛ لا مكان للاستسلام مهما استبدَّ اليأس بالنفس، فهذا اليأس قد يقوّي المحتل، ويخيّل إليه بعد ذلكَ بأنهُ قد أفلح في مسعاه، والحقيقة أن المناضِل بطبيعة الحال سيفضلُ الموت على أن يظل مستسلمًا لا يقوى على شيءٍ أمام تلك القوة، وهي الحقيقة المُضنية التي يرفض المحتل الإقرار بها، وينكرُ أنها قد تقوده للجنُون، حقيقة رفض الاستسلام والموت كأبطال.