انطلاق المؤتمر النوبي للبعث الحضاري في السودان.. استعادة لمجد الممالك القديمة ورسالة من النوبة إلى العالم

ممدوح ساتي -مراسلين
السودان- انطلقت صباح اليوم فعاليات المؤتمر النوبي للبعث الحضاري بمشاركة علماء وباحثين ومفكرين وفنانين وأبناء النوبة من داخل البلاد وخارجها، في حدث يوصف بأنه عودة رمزية إلى مجد الممالك القديمة واستعادة لروح القيادة التي انبثقت من ضفاف النيل قبل آلاف السنين.
يهدف المؤتمر إلى إعادة قراءة التاريخ النوبي من منبعه، والاحتفاء بإرث حضاري ضارب في جذور الزمن، يمتد من مملكة كرمة إلى نبتة ومروي والمقرة، وهي الممالك التي شكّلت العمود الفقري للحضارة في وادي النيل، المنطقة التي أسست لمرحلة وُصفت بأنها فجر الإنسانية الأولى.

النوبة.. أصل الحضارة الإنسانية
يؤكد المؤرخون أن الحضارة النوبية لم تكن هامشًا للحضارة المصرية، بل كانت أصلها الأول ومنبتها الروحي؛ فالممالك النوبية التي ازدهرت في شمال السودان وجنوب مصر هي التي نقلت رموز الملوكية والعمارة والدين إلى وادي النيل الشمالي، ومنها انطلقت مفاهيم التحضر والعلم والسلطه.
كما يشير الباحثون إلى أن النوبة هي أحد أقدم مواطن الإنسان العاقل، حيث تشكلت فيها أولى المجتمعات الزراعية المنظمة ومفاهيم الدولة والطقس والأسطورة.
جولة في معالم المجد النوبي
من جبل البركل، معبد تتويج الملوك الكوشيين، معبد آمون المرتبط بعقيدة الحكم المقدس، تمتد آثار النوبة كخيوط من ذهب تربط الماضي بالحاضر.
في البجراوية، شاهدة على هندسة الأهرامات الكوشية المهيبة، وفي دنقلا العجوز تحيا قصة مملكة المقرة التي حافظت على خصوصية الإنسان النوبي وثقافته المسيحية الأولى، بينما تظل الدفوفة في كرمة من أقدم الأبنية الأثرية في العالم.
في جزيرة صاي، تتجلى ذاكرة العبور بين الجنوب والشمال، حيث تزاوجت الأسطورة بالعلم وازدهرت الصناعات والفنون التي سبقت الحضارات المتوسطية لاحقًا.

كوكا المحس.. ختام الرحلة وبداية العودة
وفي ختام هذه الجولة التاريخية، تركز فعاليات المؤتمر في كوكا المحس، حيث تنطلق الوفود الملكية والبحثية في موكب رمزي نحو جبل سيسب لإحياء طقوس التتويج القديمة، والتأكيد على أن الزعامة ليست سلطة بل رسالة مقدسة.
يقود الوفد الملكي البروفيسور علي عثمان محمد صالح، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين والشعراء والفنانين والأنساب وأهل المقام، في احتفال يجمع بين العلم والتراث والإيمان بالهوية، ويمثل خطوة لإعادة الاعتبار للحضارة النوبية كجزء أصيل من التاريخ الإنساني العالمي.
رسالة من النوبة إلى العالم
من كوكا، يتردّد اليوم صدى النوبة القديمة، يخبر العالم أن هذه الأرض التي أنجبت الأنبياء والملوك والعلماء، لا تزال قادرة على بعث الحياة من ترابها.
إنها لا تحتفل بالماضي فحسب، بل تعلن عودة الوعي التاريخي لأمةٍ كانت في قلب الحضارة، وتستعيد حقها في أن تُروى قصتها بلسانها.
بين ضفاف النيل وجبل سيسب، وبين الموروث والبحث العلمي، تولد النوبة من جديد ، ليس فقط كأرض أو قرية، بل كـرمز لخلود الإنسان النوبي وتجدّد التاريخ في كل جيل.
