ثقافة وفن

محمود نور… من كوميديا إلى صناعة الوعي


شريف فارس – مراسلين

‏من قلب حلب، المدينة التي أنجبت الحكايات وصنعت البدايات، خرج محمود نور شابًا بسيطًا يحمل هاتفًا، لكنّه يحمل أيضًا فكرة، وصوتًا، وهدفًا. لم يكن مجرد صانع محتوى، بل ابن بيئة مضطهدة قررت أن تتكلم. بدأ رحلته قبل ثلاثة عشر عامًا، حين أسّس مع مجموعة شباب مسلسلًا حمل اسم “مُنع في سوريا” عام 2012، كان وقتها دوره بسيطًا، لكن أثره لم يكن كذلك.

يقول محمود إن الثورة كانت الداعم الأول والأخير، فهي التي أخرجت صوته من خلف الجدران المغلقة، وفتحت أمامه باب الحرية، وأعطته مساحة ليكتشف موهبته، ويمنحها للناس. بعد أن تهجّر من حلب إلى تركيا، عاد لممارسة المحتوى الكوميدي الذي بدأه مع بدايات الثورة. لكن هذه المرة، لم يعد شابًا عاديًا خلف الكاميرا، بل بات مؤثّرًا يملك جمهورًا واسعًا، وقاعدة شعبية كبيرة، استطاع أن يكسب ثقتهم عبر صدقه وقربه منهم.

لم يكن يرى الكوميديا مجرد تسلية، بل نافذة لإيصال رسالة. ومع تحرير سوريا، تغيّر مسار تجربته، فقرر أن ينتقل من الكوميديا فقط، إلى الكوميديا السوداء والمحتوى التوعوي. والسبب كما يقول، أنه صُدم بحال الجيل الجديد الذي ترك النظام البائد أثره فيه، عبر نشر الفساد وتغييب الوعي وتشويه القيم. وهنا، شعر أن دوره لم يعد “إضحاك الناس”، بل “إيقاظها”.


‏يرى محمود أن صانع المحتوى الحقيقي هو قائد مجتمعي، يمتلك القدرة على توجيه الناس لا مجرد الترفيه عليهم. ويقول: “نحن ما منشتغل من الاستوديو ولا من الخيال، الشارع هو الفكرة، والناس هي السيناريو، والواقع هو المسرح”. لذلك، كانت جميع أفكاره مستوحاة من الحياة اليومية، من التفاصيل التي يراها في الطرقات، في الأسواق، في المدارس، بين الأطفال وحتى في تعليقات الناس.

بأبسط الأدوات، يصور محمود مقاطعه مستخدمًا هاتف آيفون فقط؛ لا استوديو ولا معدات احترافية، ولكنه ينجح في جذب مئات الآلاف من المتابعين. إنتاج حلقة واحدة قد يستغرق يومًا كاملًا، بينما يحتاج تصوير سكتش يومين إلى ثلاثة أيام، يعمل فيها مع فريق متكامل، هدفه أن تكون الرسالة واضحة، مؤثرة، وقريبة من الناس.

‏ورغم النجاح، يواجه محمود صعوبة كبيرة في الجانب المادي، فلا توجد أي جهة داعمة، ولا رعاة أعمال، ولا قناة تتبنى المحتوى الهادف الذي يقدمه. دخله من اليوتيوب لا يتجاوز 200 دولار شهريًا، ومع ذلك يصر على الاستمرار، لأن رسالته ليست تجارية، بل اجتماعية.

‏يقول: “صانع المحتوى مو شخص بيضحك الناس ويلبس شخصية أمام الكاميرا… هو تلفزيون كامل بحد ذاته، هو رسالة ومسؤولية وصوت الشارع ووجعه”.
‏ويرى أن نقد الناس له ليس مشكلة، بل علامة صحة: “إذا ما في وجع عند الناس، ما في نقد… النقد دليل أنك عم تحكي باسمهم”.

‏أما اللحظة التي شعر فيها بأنه نجح حقًا، فكانت عند مشاركته في حملات ميدانية بعد التحرير، حين بدأ يرى أثر محتواه على الأطفال، وعلى العائلات، وعلى سلوك المجتمع. حينها فقط، أدرك أن صناعة الوعي أهم من صناعة الضحكة.

‏ويحكي بأسى عن رسالة وصلته من غزة: “كانت أختي تتابعك كتير… وهي استشهدت بالقصف”. يقول إنها من أكثر الرسائل التي أثرت في قلبه، وجعلته يدرك أن المحتوى يصل أحيانًا إلى أماكن لا نتوقعها، وقلوب لا نعرفها، لكنه قد يترك فيها أثرًا لا يُنسى.

‏ورغم كل ذلك، ما زالت نظرة المجتمع للمؤثرين مشوشة، فكثيرون يعتبرون صانع المحتوى شخصية تافهة، لذلك يسعى محمود لتغيير هذه الصورة، وإثبات أن التأثير ليس في عدد المتابعين فقط، بل في حجم الأثر الذي يتركه المحتوى.

ويختم رسالته للشباب:
‏”لا تستنى بكرا… النجاح ما بيجي بيوم وليلة. اشتغل، طوّر حالك كل يوم، اسهر على فكرة، حاسب نفسك، غيّر أسلوبك… الشهرة ما بتجي بسرعة، لكنها بتجي لمن يسعى لها بشرف.”

‏واليوم، يحلم محمود بإنتاج مسلسل اجتماعي توعوي، يأمل أن تتبناه جهة أو قناة تؤمن بأن صناعة المحتوى ليست ترفًا… بل جزء من صناعة وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews