“تيه الخط”… صالح الهجر يحوّل الحرف العربي إلى ذاكرة الثورة في دمشق

محمد سمير طحان _ خاص مراسلين
دمشق – في صالة الشعب بدمشق، اختار الفنان التشكيلي والخطاط صالح الهجر أن يعود إلى العاصمة دمشق بعد أكثر من عقد على آخر معارضه فيها، ليقدّم معرضه الجديد بعنوان “تيه الخط”، حاملاً في لوحاته ثلاثية الذاكرة السورية: الرماد، والزنزانة، والهوية.
المعرض، الذي افتتح برعاية وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين، يضم نحو ثلاثين عملاً نُفذت بين أعوام 2014 و2025، محوِّلاً الألم السوري إلى خطاب بصري يتقاطع فيه الحرف العربي مع الوجدان الجمعي للثورة.
الهجر الذي خرج من معتقلات أفرعة أمن النظام السابق عام 2014 مقابل إقامة معرض في دمشق يقول في حديثه لـشبكة مراسلين:”التيه في معناه الأول هو الضياع، وقد عشنا كهذا شعباً تائهاً في نضاله أربعة عشر عاماً ضد الطغيان.
أما معناه الآخر فهو التبختر، تيه المنتصر العائد بحقوقه”، مضيفاً أن المعرض يعبّر عن رحلة السوريين من العذاب إلى الرجاء، ومن الغياب إلى الوعي بالحرية والعدالة الانتقالية.
تتوزع أعمال المعرض على ثلاثة محاور أساسية ، فمن مدن الرماد واللهيب، التي توثق الدمار والخراب في المدن السورية ، إلى جدران الزنازين، المستوحاة من كتابات المعتقلين التي صارت “جواز سفرٍ بصري” للشهادة والذاكرة ، وصولاً إلى الهوية الجديدة لسوريا، حيث تحضر الألوان الخضراء كرمز للتجدد والانبعاث.
ويشرح الهجر تجربته قائلاً:”أستخدم الحرف العربي كعنصر تشكيلي بصري، لا كرمز لغوي فقط. تجاوزت به حدود الجغرافيا واللغة، ليصبح الكيان الحروفي صوتاً للإنسان السوري أينما كان”.
من جانب آخر، وصف رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين الدكتور محمد صبحي السيد يحيى المعرض بأنه “توثيق بصري للثورة والذاكرة السورية”، مضيفاً أن صالح الهجر “واحد من حماة الحرف العربي وفناني الحرية”، مشيراً إلى رمزية إقامة المعرض في “شهر النصر والتحرير”، بالتزامن مع أفراح السوريين باستعادة الحياة الثقافية في وطنهم.
ويُذكر أن الهجر، القادم من مدينة الميادين في دير الزور، هو أحد أبرز الحروفيين السوريين الذين حوّلوا الحرف العربي إلى أداة مقاومة ضد النسيان، فلوحاته تقف بين الوثيقة والصرخة، بين الواقعي والرمزي، بين الحبر والدم.
وقد سبق له أن عرض أعماله في معارض داخل سوريا وخارجها، منها مشاركته في معرض “سوريا ضد النسيان” في متحف ثقافات الشعوب بمدينة كولن الألمانية عام 2022، حيث وجدت أعماله صدى عالمياً بوصفها “شهادة بصرية على وجع السوريين وصمودهم”.
ويُخصّص الهجر جزءاً من ريع معرضه لصالح جمعية بلسمة دعماً للأسر المتعففة، في مبادرة إنسانية تعكس إيمانه بأن الفن الحقيقي لا ينفصل عن أخلاق العدالة والتكافل.
وفي حضور ضيف الشرف الموسيقي أيهم أحمد الذي عزف مقطوعات منتقاة، بدا المشهد الافتتاحي كأنّه احتفالية بالأمل والحرية، حيث تحوّل الحرف العربي في لوحات الهجر إلى نشيدٍ بصريٍ جلي، يعيد لذاكرة الثورة السورية حقّها في الوجود والاحتفاء.









