في بلدة “دير ماما” السورية: يداه تروي حكايات الخشب الأبدية

قصة حنان عباس / مراسلين
مصياف – في صباح مشمس ببلدة دير ماما بمصياف بريف محافظة حماة السورية ، طرقت باب ورشة صغيرة تفوح منها رائحة الخشب الطازج.
استقبلني العم مصطفى صالح، الحرفي الأصم، بابتسامة عريضة وإشارة يد تدعوني للدخول ، ولم ينطق بكلمة، لكن عينيه اللامعتين قالتا كل شيء.
“تعال، انظر إلى هذا الصندوق الذي عمره أربعون سنة”، أشار بيده نحو قطعة خشبية منحوتة بدقة، محفورة بأنماط تقليدية سورية ، وكانت صلبة كيوم صنعها، تحمل آثار أيدي عشرات الأجيال.
أمسكت بها، وشعرت بدفء الذاكرة: “هذا عملك يا عم مصطفى؟” سألته، فرد بإيماءة فخورة ب”نعم”، ثم أخرج خشبة خامة وبدأ ينحتها أمامي بمهارة تتحدى الزمن.
جلسنا معا ساعة كاملة ، وكانت يداه تتحركان كالساحر، تحول الخشب إلى سقف مزخرف أو صندوق يحمل قصص العائلات.
“أنا أحب الخشب لأنه يعيش أطول منا”، فسّر إشاراته لي صديقه أبو علي الذي رافقني.
روى أبو علي لي : “العم مصطفى منذ خمسين سنة يصنع هذه التحف، وكل قطعة في بيوت دير ماما جزء من تراثنا ، وهو لا يستخدم آلات إطلاقاً، بل يداه وصبره فقط”.
في تلك اللحظة، فهمت أن: الإبداع لا يحتاج صوتاً، بل قلباً يحفظ التراث.
غادرت الورشة وأنا أحمل قطعة صغيرة كهدية، تذكاراً بأن دير ماما لا تزال تنبض بحرف يدوية أصيلة.


















