خطبة نارية من الحرم المكي .. هل تغيّرت مقاربة السعودية تجاه القضية الفلسطينية؟

هشام العباسي – مراسلين
أثارت خطبة الجمعة التي ألقاها إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، تفاعلاً واسعاً في الأوساط العربية والإسلامية، بعدما تضمّنت إشارات قوية ومباشرة إلى القضية الفلسطينية، في سابقة لافتة داخل الفضاء الديني والإعلامي الرسمي السعودي.
الخطبة، التي بُثّت كاملة عبر وكالة الأنباء السعودية الرسمية، وتناقلتها وسائل إعلام دولية من بينها قناة الجزيرة ووسائل غربية، ركّزت على صمود أطفال فلسطين، ووصفتهم بـ”الرجال في أفعالهم”، مشيدة بمواقفهم البطولية في مواجهة آلة القتل الصهيونية، رغم فقدانهم لآبائهم وتهديم منازلهم أمام أعينهم.
وقال خطيب الحرم المكي إن أطفال فلسطين “وقفوا بأبدانهم وصدورهم وعصيهم وحجارتهم في وجه العدو الصهيوني الظالم الغاشم بأسلحته المتفوقة الفتاكة”، مؤكداً أن القدس وفلسطين “ستظلان في قلوب العرب والمسلمين شامخة عالية”.
ويُعدّ هذا الخطاب حدثاً غير مألوف في السياق العربي عموماً، والسعودي على وجه الخصوص، بالنظر إلى ما يُعرف عن حساسية الإعلام الرسمي تجاه الخوض المباشر في قضايا تُصنّف ضمن “الملفات الشائكة”. غير أن اللافت هذه المرة لم يكن فقط مضمون الخطبة، بل أيضاً تبنّي وكالة الأنباء السعودية لنشرها وتعزيزها بمقتطفات بارزة، من بينها دعوة صريحة إلى جعل أطفال فلسطين قدوة في الرجولة والمواقف البطولية.
كما شدّد الشيخ بن حميد على أن “الرجولة صفة نبيلة تجمع بين القوة والرحمة، والحزم واللين، والشجاعة والالتزام بالحق”، معتبراً أن دماء الشهداء وصمود الأبطال “تثمر نفوساً أبية وقلوباً لا تقبل الدنية”.
ولم تخلُ الخطبة من رسائل اجتماعية وثقافية، إذ انتقد الإمام ما وصفه بـ”الإغراق في السطحيات” داخل وسائل التواصل الاجتماعي، والتنشيء على التفاهة وتعظيم الذات، معتبراً أن هذه الممارسات “تُضعف الرجولة وتمنع التفكير العميق والبناء الحقيقي للإنسان”.
هذه الخطبة الاستثنائية فتحت باب التساؤل حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية بصدد مراجعة أو إعادة صياغة خطابها الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، في اتجاه أكثر وضوحاً وجرأة. كما طرحت تساؤلات موازية حول ما إذا كانت دول عربية أخرى ستسير على النهج ذاته، وتسمح لإعلامها الرسمي بكسر ما اعتُبر طويلاً “خطاً أحمر”.
فهل نحن أمام تحوّل فعلي في المقاربة العربية للقضية الفلسطينية؟ أم أن الأمر يظل في حدود خطاب رمزي ظرفي؟ أسئلة تبقى مفتوحة في انتظار مواقف أكثر جرأة، تعيد للقضية المركزية مكانتها في الوجدان العربي والإسلامي.




