شراكة جزائرية – سعودية بـ ٥,٤ مليار دولار تعيد رسم خريطة الإستثمار الطاقي العربي

عبدالله الحبابي – مراسلين
في خطوة وُصفت بأنها تحول استراتيجي في التعاون الإقتصادي العربي، أعلنت الجزائر توقيع إتفاق ضخم مع شركة سعودية متخصصة في الطاقة لتطوير عدد من الحقول النفطية والغازية في جنوب البلاد، بقيمة إجمالية بلغت 5.4 مليار دولار.
الإتفاق، الذي يمتد لثلاثة عقود قابلة للتمديد، يهدف إلى زيادة إنتاج النفط والغاز في حوض “إليزي”، وهو أحد أهم المناطق الغنية بالاحتياطات في شمال إفريقيا، مع تخصيص تمويل مبدئي يقدّر بنحو 288 مليون دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من عمليات الاستكشاف والتطوير.
وقال مصدر في وزارة الطاقة الجزائرية إن الشراكة الجديدة تأتي ضمن “رؤية وطنية لتحديث قطاع المحروقات، واستقطاب استثمارات عربية نوعية، وتعزيز موقع الجزائر كمزوّد رئيسي للطاقة في المنطقة”. وأكد أن المشروع سيسهم في رفع الطاقة الإنتاجية وتطوير البنية التحتية، إلى جانب نقل الخبرات التقنية بين الجانبين.
تشمل الخطة استكشاف وتطوير احتياطات نفطية وغازية يُتوقّع أن تتجاوز 900 مليون برميل من النفط المكافئ و125 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي خلال فترة التنفيذ.
وتُعتبر هذه الأرقام من بين الأعلى في تاريخ التعاون العربي البيني في قطاع الطاقة، حيث من المنتظر أن تسهم في زيادة الصادرات الجزائرية نحو الأسواق الأوروبية والإقليمية، وتقوية الروابط الاقتصادية بين البلدين.
وأكد خبير الطاقة الجزائري الدكتور عبد الرؤوف بن حليمة أن الصفقة تمثل “نقلة نوعية في التعاون الطاقي العربي”، مضيفًا أن “الاستثمار السعودي يضيف بعدًا جديدًا للتكامل الاقتصادي، خصوصًا مع توجه المملكة نحو توسيع استثماراتها الخارجية في مجال الطاقة التقليدية إلى جانب مشاريع الطاقة المتجددة”.
ويرى محللون أن هذا التعاون سيعزز من مكانة الجزائر كمورد آمن للطاقة، وسيفتح الباب أمام شراكات عربية مماثلة، خصوصًا في ظل حاجة الأسواق الأوروبية إلى مصادر بديلة ومستقرة. كما يُتوقع أن يسهم المشروع في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في ولايات الجنوب الجزائري، ودعم الصناعات المساندة في مجالات النقل والخدمات والطاقة.
وفي المقابل، يمثل المشروع للجانب السعودي فرصة لتوسيع نشاطه في القارة الإفريقية والاستفادة من الإمكانات الجيولوجية الكبيرة في الجزائر، في وقت يشهد فيه قطاع النفط العالمي تحولات هيكلية نحو التنويع والشراكات العابرة للحدود.
ورغم التفاؤل الكبير، تشير التقديرات إلى أن نجاح المشروع يعتمد على سرعة تنفيذ المراحل التقنية، وضمان توفير البنية التحتية للنقل والمعالجة، إضافة إلى الحفاظ على المعايير البيئية والتشريعية. كما يتطلب المشروع تنسيقًا مستمرًا بين الجهات المعنية في كلا البلدين لتسهيل الاستثمارات وضمان الاستدامة التشغيلية.
تُعدّ هذه الاتفاقية مؤشرًا واضحًا على بروز جيل جديد من التعاون الاقتصادي العربي القائم على المصالح المشتركة ونقل المعرفة، أكثر من كونه مجرد اتفاق استثماري تقليدي. فبينما تبحث الأسواق عن استقرار في إمدادات الطاقة، يقدم هذا المشروع نموذجًا عمليًا لوحدة اقتصادية قادرة على تحويل الإمكانات الطبيعية إلى شراكات استراتيجية طويلة الأمد.
ومن قلب الصحراء الجزائرية قد تبدأ صفحة جديدة في مسيرة التكامل الطاقي العربي، تُعيد رسم موازين الاستثمار وتؤكد أن المستقبل العربي في الطاقة لم يعد مجرد شعار، بل مشروع بدأ فعلاً في التحقق.



