آلية تشاور مصرية خليجية جديدة تدشّن فصلًا عمليًا في التعاون الاقتصادي

عبدالله الحبابي – مراسلين
أعلنت مصر ودول خليجية، خلال منتدى عقدته القاهرة مؤخراً، إطلاق آلية تشاور اقتصادي تهدف إلى وضع خارطة طريق مكثفة لتعزيز التبادل التجاري وجذب الاستثمارات المشتركة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، الصناعة التحويلية، السياحة، والزراعة. الخطوة وُصفت من المنظمين بأنها محاولة عملية لتقليص الحواجز المؤسسية وتسريع تنفيذ مشروعات بنية تحتية ذات مردود اقتصادي سريع.
تأتي المبادرة في سياق تزايد التعاون المادي بين القاهرة والدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة، حيث شهد حجم التبادل والاستثمارات المشتركة نموًا ملحوظًا اتسق مع سياسات فتح الأسواق وإصلاح مناخ الأعمال في مصر. وركّزت جلسات المنتدى على سبل تيسير التمويل المشترك، وتسهيل إجراءات إنشاء المشروعات، وتنسيق سياسات الدعم لقطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
مصدر حكومي مصري مشارك في التحضيرات أوضح أن الآلية الجديدة لا تقتصر على لقاءات تشاورية بل تتضمن فرق عمل فنية متخصصة تعمل على ملفات جاهزة للتنفيذ؛ من دراسات جدوى مشتركة إلى اتفاقيات لتنفيذ مشروعات نموذجية يمكن توسيعها سريعًا. كما أشار إلى أن التركيز سينصبّ على مشروعات توليد الطاقة المتجددة، وسلاسل قيمة صناعية يمكن نقلها وربطها بسلاسل التوريد الخليجية.
المنظمون قدموا أرقامًا تُظهر ارتفاعًا في أحجام الاستثمارات الخليجية بمصر خلال السنوات الماضية، وهو ما أعطى دفعة سياسية واقتصادية للمبادرة. وبيّن محلّلون مشاركون أن الربط المؤسسي بين جهات تمويل واستثمار خليجية ومطورين مصريين سيقلل الوقت المطلوب لإطلاق مشاريع كبرى، ويحدّ من مخاطر تنفيذية ترتبط بطول إجراءات الحصول على التراخيص والتمويل.
على الصعيد العملي، ثمة ثلاثة محاور تنفيذية سريعة اقترحها المشاركون: تبسيط آليات تسوية المنازعات التجارية، إطلاق صندوق شراكة لتمويل مشروعات البنية التحتية المتوسطة، وبرنامج تسريع (accelerator) للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجالات التكنولوجيا والزراعة الدقيقة. وتُعد هذه المحاور محاولة لخلق «سير عمل» يربط بين القرار السياسي وسوق الاستثمار على أرض الواقع.
التحديات لا تزال حاضرة: فإتمام المشاريع سيتطلب تنسيقًا تنظيميًا بين دول متعددة، وضمانات مالية تقلل المخاطر للمستثمرين، ومعايير بيئية واضحة تحفظ الموارد المحلية. كما أن استدامة الشراكة تتوقف على توافق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المباشرة للشعوب في البلدان المعنية، لا على مجرّد أحجام استثمار معلن عنها على الورق.
اقتصاديون رأوا أن نجاح الآلية سيعني انتقالًا من تعاون قائم على صفقات متفرقة إلى تعاون منظم يسهل التخطيط طويل المدى، ويخفض تكاليف تنفيذ المشاريع عبر تجميع الطلب والاستفادة من خبرات وكفاءات متعددة. أما في حال فشلها، فستبقى مبادرات منفردة تُعيد إنتاج نفس المشكلات التي أعاقت الاستثمارات السابقة.
يعود الحديث إلى جوهر المبادرة: ليست الآلية مجرد منصة لمدّ جسور اقتصادية، بل اختبار لمدى قدرة المنطقة على تحويل تفاهمات سياسية واستثمارات كبيرة إلى مشاريع ملموسة تخدم التنمية. وإذا نجح القادة والمستثمرون في تحويل هذه الرؤية إلى جدول زمني واضح ونتائج قابلة للقياس، فسيكون ذلك دليلًا عمليًا على أن التكامل الاقتصادي العربي ممكن وذو أثر مباشر على الاقتصادات والمجتمعات.



