“بوهاري” الرئيس النيجيري الذي حارب الفساد وطالبه الشعب بترك السلطة!

شبكة مراسلين
كتبت : سارا محمد
توفى الرئيس النيجيري السابق محمد بوهاري، عن عمر يناهز ٨٢ عام، في لندن يوم الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥م، حيث كان يتلقى العلاج هناك خلال الأسابيع الماضية.
وصف الرئيس النيجيري الحالي “بولا أحمد تينوبو” في بيانٍ صدر عنه، أن الرئيس السابق محمد بوهاري “وطني، وجندي، ورجل دولة حتى النخاع”. وأرسال تينوبو نائبه لإحضار جثمان بوهاري من لندن إلى أرض الوطن، كما أمر بتنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام فترة الحداد. وقطع تينوبو رحلته إلى البرازيل، لحضور جنازة بوهاري أمس الثلاثاء ١٥ يوليو ٢٠٢٥م.
المولد والنشأة:
ولد محمد بوهاري في ١٧ ديسمبر ١٩٤٢م، في قرية “داورا”، بولاية “كاتسينا” شمال نيجيريا، وتربى على يد والدته بعد وفاة والده، وهو في الرابعة من عمره.
الحياة الإجتماعية:
تزوج بوهاري من السيدة “سافناتو يوسف” في ١٩٧١ – ١٩٨٨م، ثم تم الإنفصال، وتزوج من السيدة “عائشة حليلو” منذ عام ١٩٨٩م، وحتى وفاته، ولديه عشرة أبناء من الزيجاتين.
تعليمه:
تلقى محمد بوهاري تعليمه الإبتدائي مابين قرية “داورا”، و “مايدوا” في الفترة ١٩٤٨ – ١٩٥٢م، ثم انتقل إلى مدرسة كاتسينا الإعدادية عام ١٩٥٣م، وتلقى تعليمه الثانوي بمدرسة كاتسينا الثانوية الإقليمية (الكلية الحكومية الآن) خلال عام ١٩٥٦ – ١٩٦١م، حيث حصل على شهادة مدرسة غرب إفريقيا.
إنضم بوهاري إلى صفوف الجيش النيجيري عام ١٩٦١م، حيث قُبل في كلية التدريب العسكري في ولاية كادونا بنيجيريا، وخضع لتدريب ضباط الصف في مدرسة “مونز” لضباط الصف في ألدرشوت بانجلترا، خلال عامي ١٩٦٢ – ١٩٦٣م، ورُقّي إلى رتبة ملازم ثانٍ في يناير ١٩٦٣م، والتحق بالكلية العسكرية في ولاية “كادونا” بنيجيريا، لدورة قادة الفصائل من ١٩٦٣ – ١٩٦٤م. ثم عُيّن قائد فصيلة في كتيبة المشاة الثانية في “أبيوكوتا” عام ١٩٦٥م، والتحق بدورة ضباط النقل الميكانيكي في مدرسة النقل الميكانيكي للجيش، في بوردن بانجلترا. وخضع لتدريبات عسكرية أخرى بكلية أركان خدمات الدفاع، في ويلينغتون بالهند، عام ١٩٧٣م، وكلية الحرب للجيش الأمريكي، في الفترة ١٩٧٩ – ١٩٨٠م.
مناصبه وعمله السياسي:
شغل بوهاري بصفته ضابطاً مرموقاً، العديد من المناصب القيادية والعسكرية والسياسية، خلال مسيرته العملية الحافلة، وشملت هذه المناصب: السكرتير العسكري؛ وعضو المجلس العسكري الأعلى؛ والحاكم العسكري لولاية الشمال الشرقي؛ والمفوض الفيدرالي للموارد البترولية؛ ورئيس مجلس إدارة شركة البترول الوطنية النيجيرية؛ والقائد العام للفرقة الرابعة للمشاة؛ والقائد العام للفرقة الثالثة المدرعة.
عُيّن بوهاري رئيساً تنفيذياً لصندوق ائتمان البترول (PTF) من قِبل إدارة الرئيس الأسبق “أباتشا” عام ١٩٩٤م، وكان الإعتبار الرئيسي لتعيينه في هذا المنصب، هو انضباطه الصارم واستقامته، وقد تدخل صندوق ائتمان البترول، تحت قيادة الجنرال بوهاري بشكل مباشر في ستة مجالات رئيسية: بناء وصيانة الطرق؛ وإمدادات المياه؛ وتوفير المواد التعليمية وإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية؛ والصحة؛ وإمدادات الغذاء؛ ومشاريع أخرى.. وقد امتد تأثير هذه الهيئة التدخلية إلى جميع أنحاء البلاد خلال أربع سنوات ونصف من إنشائها.
إنضم بوهاري للعمل السياسي بدافع الشعور العميق والإلتزام بالخدمة الوطنية عام ٢٠٠٣م، بعد عودة نيجيريا إلى النظام الديمقراطي عام ١٩٩٩م، وانضم إلى حزب الشعب النيجيري (ANPP)، وخاض الإنتخابات الرئاسية على برنامجه في نفس العام، وخسر أمام المرشح الرئاسي لحزب الشعب الديمقراطي (PDP) “أولوسيجون أوباسانجو”، ولم تثن هزيمة بوهاري عن نضاله السياسي، ففي ١٨ ديسمبر ٢٠٠٦م، ظهر بوهاري كمرشح رئاسي توافقي لحزب الشعب النيجيري لانتخابات أبريل ٢٠٠٧م، وكان منافسه مرشح حزب الشعب الديمقراطي الحاكم “عمر يارادوا”، وحصل بوهاري رسمياً على ١٨% من إجمالي الأصوات المدلى بها، مقابل ٧٠% ليارادوا.
بعد ظهور نتائج الإنتخابات، رفض بوهاري الإعتراف بها، وأكد “يارادوا” في بيانٍ صدر عنه، أن الإنتخابات كانت غير نزيهة، وبعد تولي يارادوا منصبه، وافق حزب الشعب الوطني النيجيري على الإنضمام إلى حكومته المزعومة للوحدة الوطنية، لكن بوهاري ندد بالإتفاق في مارس ٢٠١٠م، وغادر بوهاري حزب الشعب الوطني النيجيري وشكل، مع بعض أنصاره حزب المؤتمر من أجل التغيير التقدمي (CPC).
رُشِّح بوهاري في الإنتخابات العامة كمرشح رئاسي، عن حزب المؤتمر من أجل التغيير التقدمي، في ١٦ أبريل ٢٠١١م، وتنافس مع كل من:”غودلاك جوناثان”، من حزب الشعب الديمقراطي الحاكم آنذاك، و”نوهو ريبادو” من حزب مؤتمر العمل النيجيري (ACN)، و”إبراهيم شيكارو” من حزب الشعب الوطني النيجيري، ومرشحين آخرين من أحزاب أخرى، وباستخدام منصة حزب المؤتمر المحافظ، وهو حزب تم تشكيله حديثاً ولا يملك الكثير من التمويل والهياكل الحزبية الأساسية في الولايات النيجيرية، تمكن بوهاري من جمع ١٢ مليون و٢١٤ ألف و٨٥٣ صوت ليحتل المركز الثاني بعد جودلاك جوناثان من حزب الشعب الديمقراطي، الذي حصل على ٢٢ مليون و٤٩٥ ألف و١٩٧ صوت.
أدى الإنقلاب العسكري في نيجيريا في ديسمبر ١٩٨٣م، إلى ظهور الجنرال محمد بوهاري وتوليه سلطة البلاد لأول مرة، كرئيس للدولة وكقائد أعلى للقوات المسلحة النيجيرية، وظل بوهاري في منصبه حتى أغسطس ١٩٨٥م، حتى أطاح به رفاقه العسكريون بعد أقل من ٢٠ شهراً. وعندما انتُخب بوهاري في الإنتخابات الرئاسية عام ٢٠١٥م، في المحاولة الرابعة له، وأصبح أول مرشح معارض يفوز في الإنتخابات الرئاسية في نيجيريا، وهذا يُعد حدثاً تاريخياً، حيث كان يمثل المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يتولى فيها مرشح المعارضة السلطة من رئيس قائم، وكانت تلك الإنتخابات فريدةً ومثيرةً للإهتمام.
ولاقى شعار حملة بوهاري الإنتخابية “التغيير”، استحساناً واسعاً بين الشعب النيجيري، الذين توقع مستقبل مشرق بعد ١٦ عاماً من حكم حزب الشعب الديمقراطي، وحقق بوهاري فوزاً شعبياً كبيراً في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في ٢٨ مارس ٢٠١٥م، وأدى اليمين الدستورية كرئيس وكقائد أعلى للقوات المسلحة لجمهورية نيجيريا الإتحادية في ٢٩ مايو ٢٠١٥م..
أثناء حكمه:
كان بوهاري يسعى لمحاربة الفساد طوال تاريخه العسكري والسياسي، وله عدة وقائع في هذا الشأن، وكانت محاولاته العديدة للوصول إلى الحكم، جعلت الشعب النيجيري يلتف حوله ويختاره رئيساً له، وتوقع الكثيرون أن بعد وصول بوهاري إلى الحكم، سيقضي على الفساد المؤسسي والإداري في البلاد، ولكن بعد توليه منصبه لم يكن مستعداً جيداً لمتطلبات هذا المنصب، ولم يُنجز واجباته على أكمل وجه، وظهر فشله خلال الأشهر القليلة الأولى من توليه الحكم، وكان أولها تعسر تشكيل الحكومة.
وقام بوهاري بعدة محاولات لمكافحة الفساد، إلا أنه لم يقضي عليه، كما سعى إلى تطوير البنية التحتية، لكن لم يرى أحد هذا التطوير في ظلام انقطاع الكهرباء الدائم، ولا في ظل حوادث الطرق الغير مؤهلة للسير من أساسه، ولا في عدم توصيل المياه الصالحة للشرب إلى المنازل، وضاع التطوير في مجاري الصرف الصحي المكشوفة، وعلى الرغم من أن بوهاري رجل أمن، إلا أن في عهده انعدم الأمن!
وحاولت حكومة بوهاري تقديم حلول عديدة للمشكلات الجامة التي يعاني منها الشعب النيجيري مثل: برنامج المقترضين الرئيسيين، وإغلاق الحدود البرية لتعزيز الإنتاج المحلي.. ومع ذلك واجه الإقتصاد النيجيري فترات ركود متعددة، وتضخماً مرتفعاً، وارتفاعاً في معدلات البطالة، واستمر مؤشر الفقر في الصعو، وزادت أعباء المواطن النيجيري، وكانت بعض الإصلاحات التي أقيمت، كانت لن يستفيد منها المواطن، وتذهب إلى شرايين الفساد لتغذيها ولتنمو أكثر.
وتغيرت صورة القائد محارب الفساد في أذهان النيجيريون، الذين لم ينعموا بخيرات بلادهم التي تذهب إلى مجموعة محددة من الشعب النيجيري (الصفوة)، وتبدل حماس الشعب النيجيري الجامح من اختيار بوهاري إلى خيبة أمل كبيرة، وتحول من نظامٍ علق عليه الشعب آمالاً كثيرة، إلى نظام يترقب الكثيرون بفارغ الصبر زواله.
والبعض يرجع هذا إلى أن مخالب الفساد المستشري في جذور البلاد منذ عقود، كانت أقوى من حجم المكافحة التي استخدمها بوهاري، والشاهد على ذلك عدد محاولات الإغتيال التي تعرض لها بوهاري، ومحاولات تعطيل الإصلاحات التي يقوم بها، فتجاهل بوهاري العديد من قناعاته السابقة لإثراء نفسه، ولكن الأصدق هو أنين الشعب النيجيري، الذي يدفع الثمن في جميع الظروف، والذي ظل ينتظر انفراجة الأحوال دون فائدة، طوال فترة تولي الرئيس الراحل محمد بوهاري رئاسة نيجيريا من ٢٠١٥م، حتى ٢٠٢٣م.
نبذة عن الإقتصاد وحياة المواطن في نيجيريا:
يعد اقتصاد نيجيريا من أكبر الإقتصادات في قارة إفريقيا (بين ٥٤ دولة إفريقيا)، والذي يوصف بـ “عملاق إفريقيا”، حيث أن نيجيريا تعد مركزاً هاماً لرواد الأعمال والمستثمرين، واقتصادها من أسرع الإقتصادات نمواً في العالم، وتعد الوجهة الأولى للإستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، وبها أكبر عدد من السكان في القارة، مما جعل العديد من الشركات تتدافع للإستثمار بها.
وتحتل نيجيريا المرتبة الثامنة كأكبر احتياطى للنفط الخام، وتاسع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي على مستوى العالم، وجاءت نيجيريا في صدارة قائمة أكثر الدول امتلاكاً لاحتياطي الغاز في إفريقيا بنهاية عام ٢٠٢٣م، وتعد نيجيريا أكبر الدول الإفريقية المنتجة للنفط في أوبك، وتعد شركة نيجيريا النفطية الوطنية، أكبر شركة نفطية في قارة إفريقيا، ويسيطر على قطاع النفط مجموعة معينة من النيجيريون، ويعرف هذا القطاع، بتفشي الفساد والرشاوي فيه.
كما تتمتع نيجيريا بالعديد من الثروات الطبيعية الهائلة والهامة، كالذهب والفحم الحجري، وخام الحديد، والرصاص، والحجر الجيري، والزنك، كما يوجد في هضبة جوس بوسط نيجيريا، مناجم القصدير، والكولمبيت، وغيرها من ثروات.. التي تقوم عليها أكبر الصناعات، إلا إن قطاع الصناعة في نيجيريا فقير للغاية.
تعد الزراعة النشاط الإقتصادي الرئيسي في نيجيريا، و٩٠% من المحاصيل غذائية مثل: البطاطا، والذرة، والأرز، والأعلاف، وباقي المحاصيل تجارية، كقصب السكر، والكاكاو، والمطاط، والقطن، والفول السوداني، والفستق، وزيت النخيل، والأخشاب، وكانت تلك المحاصيل التجارية تشكل ٨٠% من الصادرات في نيجيريا، وبعد اكتشاف النفط أصبحت في المرتبة الثانية، ولكن تواجه الزراعة في نيجيريا العديد من التحديات، كنقص التمويل والتكنولوجيا الزراعية المناسبة، وسوء إدارة الموارد.
فبالرغم من كل ما تمتلكه نيجيريا من مقومات طبيعية وبشرية، يعيش نسبة كبيرة من النيجيريون حياة صعبة للغاية، ويعانون من توزيع غير العادل للثروة، ويوجد تفاوت كبير بين مستويات الدخل، ويتركز الثراء لدى مجموعة معينة من النيجيريين، وحين يعيش الفقراء غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والتعليم، والعلاج، ودون أن توفر لهم الدولة، المرافق الأساسية مثل: توصيل المياه الصالحة للشرب، والكهرباء، والصرف الصحي الجيد، والطرق الأمنة.. يعيش الأغنياء الرفاهية العالية، يعيشون في مساكن فاخرة، ويمتلكون سيارات فارهة، ومعظمهم من ذوي السلطة، التي تدفع بسياسة الدولة بمصلحتهم.
ويعد التعليم في نيجيريا من أبرز القضاية الإجتماعية، حيث تواجه المدارس الحكومية صعوبات في تقديم التعليم الجيد والمناسب للطلاب، وينعكس ذلك على مستوى تعليم المواطنين وقدرتهم على المشاركة في سوق العمل، ويرجع كل هذا إلى تفشي الظلم، الناجم عن الفساد المؤسسي والإداري، الذي لا يعنيه سوى المصالح الشخصية.
ويواجه قطاع الصحة في نيجيريا، كثير من التحديات كعدم توفير الموارد اللازمة للنظام الصحي، والتي تؤثر على جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، ويعيش أغلب الشعب النيجيري في مثلث الفقر والجهل والمرض.