اتفاق مناخي هزيل.. هل أخفق مؤتمر المناخ في تلبية توقعات العالم؟

علي زم – مراسلين
توصل المشاركون في مؤتمر المناخ العالمي في البرازيل إلى اتفاق بشأن البيان الختامي، رغم إقرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن كثيرين سيخرجون من المؤتمر «محبطين». فألمانيا مثلا غير راضية، والدول النفطية عطّلت مسار التقدّم.
وأعلن أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، توصل المشاركين في مؤتمر المناخ العالمي (كوب 30) إلى توافق عام، مشيرًا إلى أن «الوصول إلى إجماع أصبح أصعب من أي وقت مضى» في ظل الانقسامات الجيوسياسية. ومع ذلك، أكد أن المؤتمر لم يحقق كل ما كان مطلوبًا: «الفجوة بين الوضع القائم وما تفرضه العلوم لا تزال خطيرة وكبيرة.» وأضاف أن الكثيرين، بينهم السكان الأصليون والشباب، قد يشعرون بخيبة أمل تجاه النتائج.
نقمة ألمانية
وقال وبكه هوكسترا، مفوض شؤون المناخ في الاتحاد الأوروبي، إن النص المُحدّث يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، رغم أن دول الاتحاد كانت تتوقع ما هو أكبر. أما كارستن شنايدر، وزير البيئة الألماني، فقال إنه «شعر ببعض الإحباط». وأضاف السياسي الاشتراكي الديموقراطي أن المؤتمر واجه ضغطًا كبيرًا من لوبيات النفط والغاز، وأن الدول التي تعتمد في دخلها على هذين القطاعين استخدمت أغلبيتها للتصدي لأي تقدّم.
واعتبرت منظمات البيئة والباحثون في المناخ النتائج غير كافية. مارتن كايزر من منظمة «السلام الأخضر» في ألمانيا وصف مخرجات المؤتمر بأنها «فشل». فيما ذكر أوتمار إدنهوفر، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثيرات المناخ: «الدول تفرض على نفسها التزامات ضئيلة للغاية، وحتى هذه الالتزامات المحدودة لا تُنفَّذ.»
ووافق المشاركون في «كوب 30» في بيانهم الختامي على مبادرات طوعية لتعزيز إجراءات حماية المناخ، إلى جانب زيادة الدعم المالي للدول الأكثر فقرًا لرفع قدرتها على مواجهة آثار تغيّر المناخ. لكن التوافق على برنامج مُلزِم للتخلص التدريجي من الفحم والنفط والغاز لم يتحقق.
تمويل التكيّف مع تغيّر المناخ
اتفق المشاركون في مؤتمر بلم البرازيلي على زيادة كبيرة في الدعم المناخي الذي تقدمه الدول الغنية للدول الفقيرة لمساعدتها في التكيّف مع تداعيات الاحترار العالمي. وتنصّ القرارات على مضاعفة التزامات عام 2019 ثلاث مرات بحلول عام 2035.
وكانت الدول الصناعية قد وعدت في 2019 برفع التمويل إلى 40 مليار دولار. لكن مع احتمال عدم تنفيذ هذا التعهّد هذا العام، حذّرت منظمات التنمية من أن الرقم المستهدف — وهو 120 مليار دولار سنويًا — لن يتحقق. منظمة «خبز للعالم» انتقدت الحكومة الألمانية أيضًا، مؤكدة أنها ساهمت في إبطاء المسار.
تمويل لحماية الغابات المطيرة
أعلنت البرازيل إنشاء صندوق جديد لحماية الغابات المطيرة، تحت اسم «تسهيلات الغابات المطيرة للأبد»، بهدف حماية أكثر من مليار هكتار من الغابات في أكثر من 70 دولة.
وتعهدت النرويج بتقديم ثلاثة مليارات دولار خلال السنوات العشر المقبلة، بينما ستقدّم البرازيل وإندونيسيا مليار دولار لكل منهما، ومن المتوقع أن تساهم ألمانيا بمليار آخر خلال الفترة نفسها.
وسيعتمد الصندوق إلى جانب الأموال الحكومية والخيرية على استثمارات القطاع الخاص، وسيُضَخ جزء من هذه الاستثمارات في الأسواق المالية. وسيُستخدم جزء من العوائد لمكافأة الدول التي تحافظ على غاباتها. ويقترح تحديد مكافأة سنوية قدرها أربعة دولارات لكل هكتار محفوظ، مقابل فرض غرامات على كل هكتار يتعرض للتدمير.
ورغم هذه المبادرات، لم يعتمد المؤتمر أي خطة محددة لوقف إزالة الغابات، واكتفى بإعادة التأكيد على القرار السابق الداعي لوقف عمليات إزالة الغابات بحلول عام 2030.
التجارة والمناخ
في ملف التجارة، تقرّر إطلاق حوار لأول مرة بمشاركة منظمات مثل منظمة التجارة العالمية. وجاء القرار استجابة لاعتراضات الدول النامية والدول الصاعدة اقتصاديًا، التي ترى أن بعض السياسات التجارية الأوروبية المرتبطة بالمناخ — مثل آلية تعديل الكربون على الحدود (CBAM) — تفرض أعباء غير عادلة على اقتصاداتها. وتقوم هذه الآلية على فرض رسوم كربونية على السلع المنتجة بطرق ملوّثة وغير صديقة للمناخ.
وبناءً عليه، اتُّفق في الوثيقة الختامية للمؤتمر على إجراء حوار يمتد لثلاث سنوات لمعالجة هذه القضايا.
غياب خريطة طريق للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري
لا يزال المجتمع الدولي بعيدًا عن تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في حصر الاحترار العالمي في 1.5 درجة مئوية مقارنةً بالعصر ما قبل الصناعي. وتشير الأوساط العلمية إلى أن هذا الهدف سيُخرق — على الأقل مؤقتًا — بحلول أوائل ثلاثينيات هذا القرن، مع ما يحمله ذلك من زيادة في عدد وشدة العواصف وحرائق الغابات والجفاف والفيضانات المتكررة.
ورغم أن موضوع الالتزام بهدف 1.5 درجة لم يكن مدرجًا رسميًا على جدول أعمال الدورة، إلا أنه شكّل محورًا أساسيًا في النقاشات. وقبيل انطلاق المؤتمر، قدّم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بشكل مفاجئ خطة لخريطة طريق عالمية للابتعاد عن الوقود الأحفوري.
ودعمت أكثر من 80 دولة — بينها ألمانيا وشركاؤها الأوروبيون — المبادرة. لكن دولًا نفطية مثل السعودية وروسيا عارضتها، فيما لم تُبدِ الصين والهند رغبة في الانضمام إليها.
وبالتالي، جاء ذكر القضية في الوثيقة الختامية الممتدة على ثماني صفحات بشكل غير مباشر فقط، عبر الإشارة إلى قرار مؤتمر المناخ في دبي قبل عامين، الذي دعا للابتعاد عن الوقود الأحفوري دون تحديد جدول زمني أو آلية تنفيذ.
المؤتمر المقبل في تركيا
من المقرر عقد مؤتمر المناخ العالمي المقبل من 9 إلى 20 نوفمبر 2026 في مدينة أنطاليا الساحلية في تركيا. وستتولى تركيا رئاسة الدورة، فيما اختيرت أستراليا نائبًا للرئيس ورئيسًا للمفاوضات.
وكان البلدان في منافسة متقاربة على الاستضافة، ولو لم يتوصلا إلى اتفاق قبل انتهاء المهلة يوم الجمعة الماضي، لانتقل المؤتمر تلقائيًا إلى مدينة بون الألمانية، مقر أمانة المناخ التابعة للأمم المتحدة.






