هل يؤخذ خطر التصحر في الجزائر على محمل الجد ؟

مولود سعدالله – مراسلين
الحديث عن التصحر في الجزائر لا يعني الحدث عن ظاهرة طارئة أو خطر افتراضي، بل عن مسار بطيء ومتواصل يتقدم بصمت ويهدد الشمال ويعيد طرح السؤال
إلى أي حد يؤخذ هذا الخطر فعلا على محمل الجد، بعيدا عن البرامج المعلنة؟
الجزائر بحكم موقعها الجغرافي ضمن نطاقها أكبر صحراء في العالم، ما يجعلها من أكثر الدول عرضة لتدهور الأراضي وزحف الرمال غير أن التصحر هنا لا يرتبط فقط بالمناخ أو قلة الأمطار، بل هو نتيجة تراكم عوامل بشرية وبيئية متداخلة من الاستغلال المفرط للأراضي والرعي الجائر وتراجع الغطاء النباتي، إلى الضغط المتزايد على الموارد المائية.
واللافت أيضا أن مظاهر التصحر لم تعد محصورة في الجنوب أو المناطق السهبية ، بل بدأت تزحف تدريجيا نحو الهضاب العليا وأطراف الشمال، حيث تسجل حالات تدهور للتربة، وتراجع في الإنتاج الفلاحي وازدياد في العواصف الرملية هنا يتحول التصحر من ملف بيئي إلى قضية تمس الأمن الغذائي .
في هذا السياق يعود إلى الواجهة مشروع السد الأخضر الذي أطلق في سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، كخيار استراتيجي لوقف زحف الصحراء عبر إنشاء حزام نباتي يمتد من الشرق إلى الغرب كان المشروع آنذاك تعبيرا عن رؤية بعيدة المدى، أدركت مبكرا أن المعركة مع التصحر تخاض بسياسات وقائية طويلة النفس.
مع مرور السنوات تراجع الاهتمام بالمشروع وغابت الصيانة وتعرضت مساحات واسعة من السد الأخضر للتدهور، بفعل الإهمال والضغط البشري ما أفقده جزءا من دوره البيئي والوقائي.
خلال السنوات الأخيرة أعيد الحديث عن إعادة تأهيل السد الأخضر ومكافحة التصحر، عبر برامج تشجير جديدة ومشاريع دعم بيئي وهو ما يعكس اعترافا رسميا بخطورة الوضع ،إلا أن الملاحظة الأساسية تبقى في وتيرة التنفيذ التي لا تزال بطيئة مقارنة بحجم التحديات المتراكمة فالتشجير في حد ذاته لا يمثل حلا سحريا إذا لم يدمج ضمن سياسة شاملة تشمل حماية الأراضي، تنظيم الرعي إدارة الموارد المائية، وإشراك السكان المحليين في الحفاظ على هذه المشاريع ، من هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح هل تؤخذ ظاهرة التصحر على محمل الجد فعلا .
المؤشرات الحالية توحي بوجود وعي رسمي متزايد لكنه لم يتحول بعد إلى معالجة شاملة ومستدامة، قادرة على وقف المسار بدل الاكتفاء بتخفيف آثاره.
التصحّر ليس خطرا مؤجلا بل واقعا يتقدم كلما تأخر التدخل الجاد ، والسد الأخضر بما يحمله من رمزية وتجربة، يظل شاهدا على أن المعركة ممكنة لكنها تحتاج الى استمرارية، ورؤية تتجاوز الزمن السياسي القصير إلى أمن بيئي طويل المدى .




