باب زويلة: منصة الإعدام ومزار المكروبين…حكاية الحجر الذي شهد انكسار السلاطين ودعوات المساكين

مصعب محمد- مراسلين
القاهرة: باب زويلة أو باب المتولي هي احد بوابات أسوار مدينة القاهرة الفاطمية والتي بنيت في عصر الدولة الفاطمية في القاهرة، تم بناء الباب في العام( ٤٨٥ هجرية) (١٠٩٢ ميلادي)، بأمر من الوزير بدر الدين الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله(٤٢٧-٤٨٧ه / ١٠٣٦-١٠٩٤م) وترجع تسميته نسبة إلى قبيلة زويلة المغربية التي وفدت من شمال أفريقيا برفقة قائد الجيوش الفاطمية جوهر الصقلي.
يتكون الباب من برجين مستديرين يبرز ثلث الكتلة البنائية خارج السور، ويتوسط البرجين ممر مكشوف يؤدي الي باب المدخل ويرتفع البرجان الي ثلثي الارتفاع في بناء مصمت ويأتي في الثلث العلوي من كل منهما حجرة دفاع يغطيها قبو طولي يتقاطع مع قبو عرضي.

شكل هذا الباب بجانب أبواب أخرى رمزية دفاعية لحماية عاصمة الخلافة من هجمات الأعداء واستعراض لهيبة الدولة عبر ضخامة المباني التي تتمتع بسمات معمارية بيزنطية مع أثر قليل من التقاليد الإسلامية الشرقية. كما مثل باب زويلة مركزاً إدارياً وقضائياً حازماً فمنه جُبيت الضرائب وجاء إسم ” بوابة المتولي” منها، أي متولي الحسبة والشؤون المالية الذي كان يجلس عند هذا الباب لتحصيل الضرائب . كما كانت تنفذ الأحكام القضائية في هذا الباب،حيث شُنِق عليه الكثيرُ مِن الأمراء وكبار رجال الدولة . كما أعدم العثمانيون تحت قيادة السلطان العثماني سليم الأول آخر سلاطين الدولة المملوكية السلطان طومان باي إبان الغزو العثماني لمصر .
بين القباب والمآذن: جمال المعمار في قلب القاهرة الفاطمية:
يقع باب زويلة في حي الدرب الأحمر بوسط القاهرة، على رأس شارع المعز لدين الله الفاطمي من الجهة الجنوبية تشكل المئذنتان من خلف الباب منظراً معمارياً بديعاً . يشغل باب زويلة مساحة مربعة، طول كل ضلع من أضلاعها 25 مترا، وممر مسقوف بقبة اختفت معظم العناصر الزخرفية منها ، بالإضافة للأرضية الحجرية القديمة التي تميز المكان والذي تحفه مظاهر الحياة الشعبية ومتاجر التحف والأشغال اليدوية وحلقات تلاوة القرآن الكريم في المساجد التاريخية المجاورة للباب بعد الصلوات المفروضة.

رحلة في ذاكرة الباب:
يمكن للزائر لباب زويلة الصعود إلى قمة الباب؛ عبر مدخل صخري مجوف وسلالم مكونة من 76 درجة تمكنه من الوصول إلى الجزء العلوي من الباب وسيجد في طريقه عدد من الآثار المحفوظة داخل تجويف في الحائط، ومغطاة بزجاج واقٍ للحفاظ عليها والتي وجدت أثناء التنقيب الأثري داخل الموقع. من بينها الأواني الخزفية المختلفة ، كما توجد داخل الموقع لوحات تعريفية تحتوي على معلومات مفصلة عن تاريخ الترميم، وأجزاء الموقع المختلفة، وتفاصيلها، مما يتيح للزوار استكشاف المكان و ربط التفاصيل ببعضها البعض.

باب المتولي : ملاذ المبتهلين ومزار المكروبين
نسج الوجدان الشعبي اعتقاداً آخر حول سبب التسمية ب باب المتولي كما سماه المصريون ، ففي الذاكرة الجمعية، لم يكن الباب مجرد حجارة صماء، بل مسكناً لـ “قطب من أقطاب الصوفية” أو وليّ خفيّ يُدعى “المتولي” يقضي حوائج الناس، مما حوله إلى مزار يقصده المكروبيين لتعليق قطع من ثيابهم أو خصلات شعرهم في مسامير بوابته الضخمة، يتضرعون حوله ويبتهلون بالدعاء طلباً للبركة والشفاء. شكل هذا المزيج الفريد في المخيال الشعبي من الباب مكاناً ذا طبيعة مزدوجة؛ فبينما كان السلطان يستخدمه كمنصة لإظهار القوة و سطوة الدولة ، كان البسطاء يرون فيه ملاذاً روحياً لهم.
في حين تسعى القاهرة لتعزيز مكانتها على خارطة السياحة الإقليمية وصون إرثها العريق، يبرز باب زويلة كحلقة وصلٍ فريدة؛ فهو الأثر الذي لم ينقطع نبضه، والشاهد الذي يختزل في جنباته فلسفة العمارة وذاكرة الحكم في مصر الإسلامية. إنه الوجهة التي تمنح زائرها أكثر من مجرد إطلالة، بل سياحةً روحية وفكرية في وجدان مدينةٍ كانت ولا تزال “قاهرةً للزمن” .



