أخبارتقارير و تحقيقاتسياسةعربي و دولي
أخر الأخبار

تونس بين مطرقة القمع وسندان الصمت: انتكاسة حقوقية غير مسبوقة

شبكة مراسلين
بقلم: عماد بالشيخ – صحفي ومحلل سياسي

تونس التي ألهمت العالم قبل أكثر من عقد بثورتها المدنية السلمية، تشهد اليوم تراجعًا حادًا في مؤشرات الحريات العامة، في مشهد وصفته منظمات حقوقية بـ”النكسة الكاملة لحقوق الإنسان”.
فمنذ إعلان الرئيس قيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية في صيف 2021، والتي اعتبرتها المعارضة “انقلابًا على الدستور”، دخلت البلاد في نفق مظلم لا تزال ملامحه تتضح تباعًا في تقارير صادمة صادرة عن هيئات مستقلة.

أرقام مفزعة: عشرات الآلاف خلف القضبان

أحدث تقرير صادر عن الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس، كشف عن ارتفاع مقلق في عدد السجناء بنسبة 50٪ منذ عام 2021.
فقد ارتفع عدد النزلاء من 22 ألف سجين بين عامي 2018 و2021 إلى نحو 32 ألفًا بين 2022 و2024، أي ما يقارب 10 آلاف معتقل إضافي في أعقاب الإجراءات الاستثنائية.
ووصف رئيس الهيئة، فتحي جراي، هذا الوضع بـ”المفزع”، مشيرًا إلى أن الاكتظاظ بلغ مستويات غير مسبوقة حتى في السجون التي كانت تعد الأقل ضغطًا، مثل سجن النساء بمنوبة.

هذا التدهور لم يؤثر فقط على ظروف إيواء السجناء، بل طال كذلك الأوضاع النفسية والصحية داخل السجون، كما انعكس سلبًا على أداء الإطارات الأمنية والموظفين العاملين بها.

وفاة حازم: مأساة تختزل واقع القمع

في ظل هذا المشهد القاتم، اهتز الرأي العام إثر وفاة الشاب حازم، الذي وُثّقت حالته كأحد الأمثلة المؤلمة للانتهاكات الجسيمة التي أصبحت ممنهجة في بعض المراكز والسجون التونسية.
توفي حازم وهو مكبل اليدين والرجلين، بعد أن تعرّض لتعذيب جسدي مروّع وإهمال طبي متعمد، دون أي تدخل عاجل أو متابعة قانونية مستقلة.
هذه الحادثة المفجعة ليست الأولى، لكنها تعري هشاشة المنظومة وتفتح الباب أمام مطالب متجددة بمحاسبة المتورطين، وإيقاف نزيف القمع.

حرية التعبير تحت المقصلة

في تونس ما بعد 25 جويلية، لم تعد السجون تستقبل المجرمين فقط، بل أيضًا من عبّروا عن آرائهم، أو كتبوا جملًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
تحوّلت حرية التعبير من حقّ دستوري إلى تهمة قائمة الذات، وأصبح الرأي المخالف مدعاة للتتبعات القضائية أو الإحالة على القضاء العسكري.

ما بين صمت الداخل وغضّ الطرف الخارجي

كل هذا يحدث وسط صمت داخلي ثقيل، وانقسام في المشهد الإعلامي، وتواطؤ خارجي عبر تجاهل المنظمات الدولية الكبرى لما يحدث في تونس من تراجع خطير للحريات، مقابل خطاب رسمي يُمعن في تبرير الإجراءات والتنكيل بالمعارضين.

أمام هذا الواقع، يبقى السؤال المطروح:
هل تنجح تونس مجددًا في تجاوز محنتها الحقوقية واستعادة روح الثورة الأولى؟
وهل ما زال في هذا البلد من يمكنه الوقوف دفاعًا عن الكرامة الإنسانية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews