علاقة المسلمين بالسويد من الترحيب إلى الحقد والعداء

كشف تقرير صحفي أثار تطور العلاقة بين المسلمين ودولة السويد، والتي بدأت من الترحيب بالمسلمين وحتى الانقلاب عليهم والعنصرية ضدهم وإساءة وإهانة مقدساتهم، بالتزامن مع قيام متطرفين سويديين أمس الأربعاء، بحرق وإهانة القرآن الكريم، وسط صمت من قبل الشرطة والحكومة السويدية.
وبحسب التقرير المنشور على شبكة “الجزيرة” يؤكد الباحث السويدي “غوران لارسون” في كتابه “الإسلام والمسلمون في السويد” أن علاقة السويد بالإسلام في القرن العشرين لا تبدأ مع هجرة الأيدي العاملة من المسلمين منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، إذ يشير إلى أن بعض الشخصيات الأدبية والفنية السويدية قد تأثرت بالإسلام في فترة مبكرة، لا سيما بالاتجاهات الصوفية فيه، واعتنق العديد من هؤلاء المشاهير الإسلام في بدايات القرن العشرين.
وكانت السويد من الدول الأوروبية التي لم تمتلك طموحات توسُّعية أو استعمارية، على عكس أغلب دول أوروبا في ذلك الحين، ولذا كان اعتناق هؤلاء المشاهير نابعا من إيمان حقيقي بأهمية الدين الإسلامي.
درس الكاتب والرسَّام السويدي “إيفان أغيلي” القرآن الكريم واللغات الشرقية وأتقن اللغة العربية بالكامل، وفي تلك المرحلة قرر اعتناق الإسلام بعدما لاحت أمامه الحقيقة.
ويأتي على رأس هؤلاء الكاتب والرسَّام السويدي “إيفان أغيلي”، الذي أطلق على نفسه اسم “عبد الهادي العقيلي”، وقد تعلَّم فن الرسم في السويد وفرنسا، وكان دائم التنقل بين البلدين، إذ تعلَّم في فرنسا بمعهد الدراسات الشرقية، وأخذ الشرق عقله، وأراد أن يتعرف على الدفء والحياة الروحية التي يتمتع بها المسلمون، فسافر إلى مصر في عام 1895م، وقرر المكوث في مدينة أسيوط في صعيد مصر حيث رسم العديد من اللوحات الطبيعية والشخصية. وبحلول عام 1898م درس أغيلي القرآن الكريم واللغات الشرقية وأتقن اللغة العربية بالكامل، وفي تلك المرحلة قرر اعتناق الإسلام بعدما لاحت أمامه الحقيقة من خلال الدراسة المعمقة التي قام بها طيلة السنوات السابقة، وسفره إلى مصر وسريلانكا والهند.
ثم قرر أغيلي إكمال الدراسة في الأزهر الشريف، واقترب من شيخ الأزهر الشيخ عليش الكبير والطريقة الصوفية الشاذلية، ثم قرر الإنجليز في نهاية المطاف طرده من مصر ظنا منهم أنه جاسوس عثماني.
بالمثل، لعب المترجم السويدي “إريك هيرميلين” دورا رئيسا في تعريف القراء السويديين بالمفكرين والمتصوفة المسلمين، ومن الواضح أن كلًّا من أغيلي وهيرميلين قد تأثرا بالاتجاهات الصوفية في الإسلام، ولكن هذه الحركة لم يكن لها تأثير كبير في نشر الإسلام أو التعرف عليه بصورة أقرب بين عموم السويديين طوال العقود الست أو السبع الأولى من القرن العشرين.
في المقابل، كان لهرب الكثير من تتار دول البلطيق خوفا من بطش السوفييت عبر فنلندا إلى السويد في نهايات الحرب العالمية الثانية دور في تأسيس حضور إسلامي في السويد، فقد أُنشئت أول منظمة إسلامية سُنية في ستوكهولم سنة 1949م على يد دعاة أتراك وتغيَّر اسمها فيما بعد إلى جميعة الإسلام في السويد.
ومنذ سبعينيات القرن العشرين، ومع موجة هجرة الأيدي العاملة من المسلمين إلى السويد، بدأ المسلمون في بناء المساجد في كبريات المدن السويدية، مثل ستوكهولم ومالمو وأوبسالا وغيرها، فضلا عن شراء العديد من الكنائس وتحويلها إلى مساجد، وانتشار ظاهرة “مساجد القبو”.
ثم كثُرت المنظمات والمراكز الإسلامية في أهم المدن السويدية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، وزادت أعداد المهاجرين المسلمين القادمين من العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ومن سوريا بعد اندلاع الثورة بنسب لافتة، حيث يُمثِّل المسلمون اليوم ما بين 8-10% من عدد السكان البالغ عددهم 10.5 ملايين نسمة.
وقد اهتمت دراسة السويدي غوران لارسون المذكورة آنفا برصد واقع المسلمين في السويد من خلال الحضور المؤسسي في المساجد والمراكز الإسلامية والجمعيات والمنظمات الأخرى التي تعترف بها الدولة السويدية، وخلُص مع كثرتها وأهميتها وتنوعها اللافت بين السنة والشيعة إلى وجود انقسامات وصراعات واختلافات داخل البيئة الإسلامية في السويد، نظرا للاختلاف الثقافي والجغرافي والأيديولوجي بين هذه المجموعات، وهو موضوع أقرَّ هو نفسه بأنه “غير مُكتشف علميا”، ويحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب.
لكن ما يهمنا في رصدنا لتاريخ العلاقة بين السويد والإسلام، وزيادة العداء في السنوات العشرين الأخيرة تجاه الإسلام، لربما أجاب عنه لارسون في جزء منه من حيث لا يدري، إذ كتب عن الاختلافات الجذرية بين الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في السويد ما يُمكن أن يكون سببا في استغلال الدولة لهذه الحالة لفرض مزيد من هيمنتها وتدخُّلها في شؤونهم الداخلية بحجة حماية الأطفال كما تفعل مؤسسة السوسيال، أو في السماح بإحراق المصحف الشريف ونشر الكراهية الذي تكرر أكثر من مرة في السويد والدنمارك وهولندا وفرنسا في السنوات الأخيرة.
وإذا ما أردنا أن نفسِّر الأسباب الكامنة وراء زيادة العداء للإسلام بصورة أشمل، بعيدا عن التاريخ والواقع السويدي مع الإسلام، تبقى ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في القارة الأوروبية والغرب عامة أداة تحليلية مهمة لا يمكن تجاوزها في هذا السياق، إذ تغذي كراهية الإسلام والمسلمين في الغرب مؤسسات فاعلة إعلامية وثقافية ومتطرفون يمينيون وجدوا بيئة خصبة في السنوات الأخيرة مع الصعود السياسي لقوى اليمين، وعلى رأسها حزب “ديمقراطيو السويد”، الحزب المناهض للهجرة الذي حل في المركز الثاني في الانتخابات السويدية الأخيرة.
وانتشرت حوادث مثل استهداف مقدسات الإسلام في القرآن والمساجد والحجاب والأطفال لا تخلو من ارتباطها بظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تظهر في السلوك والخطاب الإعلامي والأكاديمي والثقافي والاجتماعي في الغرب.
أخيرا كشفت تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا عن أرقام لافتة وكبيرة في تقريرها السنوي الصادر مؤخرا، والذي يرصد ظاهرة انتشار كراهية الإسلام، حيث سجلت 467 حادثة تتعلق بالعنصرية، و128 حادثة تتعلق بالكراهية والاستفزاز، و71 حادثة تتعلق بالإهانات، و59 حادثة تتعلق بالتحرش الأخلاقي، و44 حادثة تتعلق بالتشهير، و27 حادثة لها صلة بالاعتداءات الجسدية، و33 حادثة مرتبطة بقانون مكافحة الانفصالية. وبحسب التقرير ذاته فإن المدارس هي البيئة الخصبة التي تؤدي إلى زيادة وتيرة هذه الظاهرة.
وقد رصد بعض الباحثين أرقاما أكبر من هذه بكثير، ففي عام 2017 رُصِد قرابة الألف هجوم على مسلمين ومساجد في ألمانيا وحدها وفقا لما نشره موقع “دويتشه فيلله” الألماني.
وفي السويد ذكرت دراسة صادرة عن جامعة أوبسالا أن 52% من أصل 106 مؤسسة إسلامية سويدية تلقت تهديدات في عام 2017، وأن 45% منها وقعت عليها اعتداءات بالفعل، بل ورصد الباحث “أيمن اليازوري” أن بعض العرب والمسلمين عملوا -بقصد أو بدون قصد- على تشويه صورة الإسلام عبر قيام وزارة خارجية دولة عربية في عام 2014 بتصنيف نحو 84 منظمة إسلامية لها حضور في العالمين العربي والغربي على قوائم الإرهاب، مما أسهم في زيادة وتيرة الاعتداءات على المسلمين ومراكزهم ومؤسساتهم في أوروبا[8].
إن موضوع تاريخ المسلمين بأوروبا، لا سيما الوجود الإسلامي في المجتمعات الأوروبية منذ القرن العشرين إلى يومنا هذا، ومستقبله في ظل التحديات الخطيرة الأخيرة، يحتاج إلى تسليط الضوء الصحافي والبحثي عليه، لا سيما وقد أصبح الهجوم على المقدسات الإسلامية هدفا في ذاته، وربما لهذا السبب قررت حكومة كندا مؤخرا تعيين مستشارة لمكافحة الإسلاموفوبيا، وهي خطوة تحتاج إلى خطوات أكبر لحماية الإسلام والمسلمين في الغرب.