
شبكة مراسلين
مقال بقلم : د . أنس الماحي
- فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم تكن مجرد صوتٍ في زحام الأصوات بل كانت صدى للضمير العالمي، ولسان حال من لا صوت لهم تحت الركام، وفي زنازين القهر لم تهادن ولم تجامل، ولم تكتب تقاريرها لترضى عنها الإدارات الغربية، بل كتبتها بمداد الألم الفلسطيني وبتوقيع الحقيقة المجردة، التي لا تحتاج إلى إذنٍ من واشنطن، ولا إلى ختمٍ من تل أبيب. قالتها صريحة: ما يحدث في غزة ليس “صراعًا”، بل “إبادة جماعية”، وما تُقدّمه الحكومات الغربية لإسرائيل ليس دعماً، بل شراكة في الجريمة.
- فرانشيسكا لا تحمل في يدها سلاحًا، بل قلمًا يفضح، وكلمة تُشبه الطلقة حين تُطلقها من على منابر الأمم المتحدة ولهذا لم يكن مستغربًا أن تهرع الولايات المتحدة في عهد ترامب لتتهمها بمعاداة السامية، وتطالب بإقالتها، وتفرض عليها العقوبات، لا لشيء سوى لأنها رفضت أن تتواطأ مع الإبادة.
- ومَن غيرها إذن يستحق نوبل؟ وهل تُمنح جائزة نوبل للسلام لمن باع السلاح ليشتعل اللهب ؟ هل تُمنح لرئيس تاجر بالإنسانية كما يتاجر بالصفقات العقارية؟ دونالد ترامب، الذي يفاخر بحروبه الاقتصادية، وتهديداته النووية وبنقل سفارته إلى القدس متحديًا كل قرارات الشرعية الدولية، هل يُعقل أن يُدرج في قائمة المرشحين لجائزة وُلدت من رحم النبل والضمير؟؟
- ترامب – الذي لم يَفِ بوعوده للسلام خذل الشرق الأوسط، وفتح أبواب الجحيم على السودان وليبيا واليمن وفلسطين، وبدل أن يُطفئ الحرائق، كان يحمل الوقود، ويعقد الصفقات، ويمنح الضوء الأخضر لكل مغامرة عسكرية ما دامت تعود بالربح على المصانع الأميركية.
- إن جائزة نوبل لا تُمنح للأقوياء بل للذين قالوا “لا” حين كان الصمت أيسر، وتكلّف الموقف شرفًا وتهديدًا. وفرانشيسكا ألبانيز، بكل ما تتحمله من حملات شيطنة، وبوجهها الإنساني الذي لا يعرف المساومة، هي النموذج الأجدر بالتكريم لا بالعقوبة، وبالاحتفاء لا بالإقصاء.
- صوت فرانشيسكا ألبانيز ليس صوتًا نسويًا أو أمميًا فحسب، بل هو صوت غزة حين تُقصف، وصوت الطفل الذي فقد أهله، وصوت الأم التي تُعد القبور بدل الوجبات. هي المرأة التي أيقظت ضمير أوروبا النائم، وذكّرت العالم بأن الفلسطينيين بشر، لا أرقام تُكتب في نهاية التقارير.
- إن منح ألبانيز جائزة نوبل للسلام ليس تكريمًا لها فقط، بل تكريم للحقيقة، وإعلان بأن الضمير لا يزال حيًا في زاوية من هذا العالم، وأن الكلمة الحرة تستطيع أن تُقاوم الطائرات، وتُصيب في مقتلٍ آلة النفاق الدولي.