مقالات

“الوطنجي” التعيس المزيف

شبكة مراسلين
مقال بقلم: محمد سعد الأزهري

أتعس الناس عقلا ونفسا هم أولئك “الوطنيون” في زماننا هذا.. تجد الواحد منهم يدافع عن “وطنه”، و”زعيمه”، وما يسمى “الأمن القومي للوطن” و”المصلحة العليا للبلاد”، ولو أنه في سبيل ذلك تخلى عن واجبات دينه وعن ضرورات الأخلاق بل عن طباع الإنسان السوي الذي لا يقبل الظلم والاضطهاد!!

باسم هذه الوطنية قبل كل أولئك ذبح أهل فلسطين والتنكيل فيهم وحصارهم، بل قام بعضهم بتشويه فلسطين وأهلها، وبلغ الحال بأتعس التعساء فيهم أن ينفي قدسية بيت المقدس والمسجد الأقصى، يريد بذلك أن يتخلص من كل صداع ديني وألم أخلاقي يحمل الناس على التعلق بهذه القضية!

ليس هذا فحسب.. ليس هذا فحسب..

بل إن هذا “الوطنجي” التعيس البائس، لو مدَّ بصره في التاريخ قليلا لرأى أن هذه الوطنية وهذه الزعامات الفاشلة لم تتصدَّ يوما لإسرائيل، ولم تدافع عن أوطانها!

لست أدري من أين أبدأ.. فإنه قبل قرن ما كان شيء أصلا يسمى إسرائيل قد وُجِد في بلادنا.. فماذا كان؟ على أي أرض خُلِقَت هذه الدولة؟ وعلى أي أرض تمددت؟!!

ما وُجِدت ولا تمددت إلا على أرض تركها هؤلاء الزعماء لإسرائيل هنيئا مرئيا، ولحسوا كل شعارات الوطن، وقبلوا صاغرين ومستسلمين -بل الحقيقة متواطئين ومتآمرين وخائنين- بانكماش الوطن وانحسار أراضيه.. ليكون الوطن بالأمس شيئا، والوطن اليوم شيء آخر.. وفي الحالتيْن يجب على “المواطن” البائس المقهور الدفاع عن الوطن بالقدر الذي يحدده له الزعيم “الخائن” الذي فرط فيه!

أول بذرة إنشاء إسرائيل حين وُجِد في الدولة العثمانية من قبل بانكماش أراضيه، وقال بأن وطنه هي حدود معاهدة لوزان.. والباقي لا يهمني ولا أريده!.. وهكذا صارت الأرض حلالا على الإنجليز لا يرى أحدٌ أنه مكلف بالدفاع عنها!

فلما نشأت إسرائيل، في عام 1948 نشأت معها قصة طريفة موجعة ساخرة.. تفاصيلها تطول ولكن خلاصتها، جيوش عربية دخلت لتحقيق هدفين: تأمين إسرائيل، ومنع قيام دولة فلسطينية!

ولهذا ترى الجيش الأردني أخذ الضفة، ومصر أخذت غزة.. وأعطوا لإسرائيل 25% من الأرض فوق ما منحها قرار التقسيم.. هدية عربية كريمة!!.. وتآمر النظامان لئلا تقوم للفلسطينيين دولة ولا حكومة!

فماذا كان؟ وماذا فعل الوطني البائس بعد سنين!!

أبدا.. تخلت الأردن عن الضفة، وتخلت مصر عن غزة.. وقال كلا الزعيميْن في كلا البلديْن: لا شأن لنا بهما، ولن نحارب لاستردادهما..

ومثلما كان واجب الوطنجي التعيس بالأمس أن يتغني بوحدة الضفتين وبسيادة مصر على غزة، صار الواجب عليه أن يتغنى اليوم بحدود نهر الأردن ومحور فلادلفيا!!

وأنا الآن أحكي لك عن المشاهد الكبرى.. وقس عليها أن الجولان لم يتحرر على يد الجيش السوري، ولا جنوب لبنان تحرر على يد الجيش اللبناني، ولا تيران وصنافير تحررت على يد الجيش السعودي (وهذا لمن يظن أنهما سعوديتان).. بل سيناء نفسها لم تتحرر على يد الجيش المصري، وإنما تحررت باتفاقية سلام خبيثة مخزية جعلت إسرائيل ذات اليد العليا في قلب القاهرة.. فكأننا بعنا القرار السياسي بالأرض السيناوية التي لم تزل السيادة عليها منقوصة، وهي حتى الآن أقرب منالا للإسرائيلي منها إلى المصري!

وغدا.. إذا استمرت هذه الأوضاع، واستمرت هذه الأنظمة، واستمر هذا النهج الوطنجي الخبيث، واحفظوا كلامي الذي أسأل الله أن يخيب ظني فيه وأن أموت قبل أن يتحقق..

غدا إذا أرادت إسرائيل التوسع في الأردن وفي سيناء لتمَّ لها هذا دون أن ترتفع في وجهها طلقة من الجيشين المصري والأردني.. وسيكون الواجب حينها على الوطنجي التعيس أن يخبرنا بحكمة القيادة والزعيم، وبحجم المؤامرة الكونية، وبأن الإخوان والسلفيين أخطر من إسرائيل، وأن المهم في كل هذا أن الزعيم لم يزل بخير، وأنه سيخطط لإزالة آثار العدوان ولتحرير الأرض!!

حتى إذا مضى الزمن جاءت اتفاقية لتمسح ما مضى من وطن مقدس وتقبل بانكماشه وتقلصه، أو جاءت سياسة أخرى تجعل سيناء قضية وطنية للأشقاء السيناويين، وتجعل الضفة الشرقية قضية للأشقاء الشرقاويين!!

ولا تتعجب، ولا تستغرب.. فقبل مائة سنة لم يكن هناك شيء اسمه قضية فلسطينية ولا قضية سورية ولا قضية أردنية.. كانت كل تلك الأرض تسمى الشام، وكان الشام ومصر وما وراءها من العراق والجزيرة أرضا إسلامية عثمانية، يرى التركي والبلقاني والشركسي والمغربي والقوقازي أنه مكلف بالدفاع عنها، وكم جرت على رمالنا دماء هؤلاء جميعا.. كما جرت دماؤنا على ضفاف البوسفور وفي هضاب الأناضول وعند سفوح الجبال في اليونان والبلقان!!

ولست أدري ماذا سيفعل الوطنجي التعيس حين ينزل إلى قبره، أو حين يقف أمام الله يوم القيامة.. بأي لسان سينطق؟ وماذا سيمكن أن يقول؟!.. فليس في القبر ولا في القيامة سؤال عن الوطن وحدوده وزعيمه وأمنه القومي.. وإنما السؤال هناك سؤال دين وملة وأمة!!.. فلست أدري ماذا سيقول؟!

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews