شبح النزوح يؤرّق مضجع أهالي غزة من جديد ولسانهم يقول: “وين نروح؟”

شبكة مراسلين
تقرير: إسماعيل نوفل
عاد هاجس النزوح إلى أهالي مدينة غزة وشمالها؛ ليؤرّقهم من جديد، بعد تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي من حربه على قطاع غزة وإعلانه دخول عمليته العسكرية لمرحلة جديدة تهدف لتهجير الغزّيين إلى ما يعرف بالجنوب -جنوب وادي غزة-. وأثار هذا الإعلان حالة من الخوف والقلق في نفوس أهالي غزة ولسان حالهم جميعًا ينطق بسؤالٍ واحد “وين نروح؟”، فقد عاشوا النزوح من قبل وعاصرُوه بكل معاناته وآلامه.
شبح “النزوح”
شبح قديم عاد ليلاحق الستيني زهير فروانة من سكان بلدة الشجاعية شرق مدينة غزة، بعدما ظّن أنّ هذا الكابوس انتهى عند عودته إلى بيته في الوقت الذي دخلت صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وسلطات الاحتلال حيّز التنفيذ، واستمرت لنحو لشهر ونصف.
لم تكتمل فرحة فروانة طويلًا حتى عاد جيش الاحتلال لعمله بقتل الأهالي وتدمير المباني وتجريف الأراضي، فاضطّر وعائلته المكونة من أبناءه وأحفاده، إلى النزوح غربًا، واستقروا في منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة.
القصة لم تنتهي عند هذا الحد، فقد تقدّمت قوات الاحتلال في المناطق الشرقية وبدأت بمحاصرة مدينة غزة، تمهيدًا لإخلائها من السكان، ورافق ذلك نشر منشورات إخلاء تطالب المواطنين بالتوجه جنوبًا، الأمر الذي أربك فروانة وعائلته من جديد.
يعود فروانة في ذاكرته إلى عامٍ ونصف العام من النزوح اللذان قضاهما سابقًا في “الجنوب” – جنوب وادي غزة-، ويصفها خلال حديثه لشبكة مراسلين، بأن “النزوح عبارة عن قطعة من العذاب والمعاناة في كل شيء”، توقف عن الكلام قليلًا، ثم أخرج تنهيدته المشحونة بالألم والحزن، وأكمل قوله: “تعب وعناء وشقاء، وعذاب”.
لا أمان في قطاع غزة
الخمسينية أم سائد ناجي من سكان معسكر جباليا شمال قطاع غزة، اتفقت مع فروانة على هول المعاناة والتعب اللذان يرافقان النزوح، بقولها: “النزوح لا يفرق بين أحد، فهو يجبر الجميع على الخروج غصبًا عنهم، حتى وإن كانوا مرضى أو مُتعَبين”.
وأضافت ناجي، التي أُرهقت خلال نزوحها من معسكر جباليا إلى منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، لما تعانيه من أمراض في القلب ما جعلها لا تقوى على الحركة لمسافات بعيدة: “لا مكان أمن في قطاع غزة، القصف والقتل موجود في جنوب قطاع غزة كما هو في شماله”.
وحول سؤالنا عن مقدرتها على توفير الأدوية اللازمة لمرضها، أجابتنا ” لم أتناول أدويتي منذ نزحت من معسكر جباليا لعدم مقدرتي على توفيره”، فإلى جانب شح الدواء في غزة، فهي تعيش الآن في خيمة نصبتها بمكان لم تألفه من قبل، والآن الحديث يتردد حول نزوحٍ جديد نحو الجنوب.
تكاليف باهضة
وأما محمد غازي (42 عامًا)، يقطن في حي النصر غرب مدينة غزة، لم يعد يجد راحةً في الليل ولا في النهار؛ لأنّ صدى فكرة النزوح بات يتردّد كثيرًا وخاصة بعد التهديدات باحتلال كامل مدينة غزة، الأمر الذي سيُعيد عائلته المكونة منه وزوجته وطفلتين إلى دوامة النزوح.
في بداية الحرب على غزة، نزّح محمد، وهو والد لطفلة تعاني من طيف التوحد، إلى مدينة دير البلح الواقعة وسط القطاع، ولم يستطع حينها تقديم الرعاية اللازمة لطفلته وتوفير المستلزمات الضرورية لها، ما أدّى إلى تراجع مستواها التعليمي وتواصلها الاجتماعي.
وحتى لا يتكرر الأمر مرة أخرى، يرفض محمد الآن فكرة النزوح إلى الجنوب، فمنذ عودته إلى غزة وهو يحاول أن يُرمّم قليلًا مما فاتها خلال العام والنصف الفائتين، لكن الوقت لم يسعفه، فالاحتلال لم ينتظر كثيرًا وعاد ليكمل جرائمه بحق أهالي غزة ومبانيها.
وأعرب عن رفضه الخروج من مدينة غزة بقوله: “سوف أضل لآخر رمق”، ثم استدرك: “ولكن إذا اشتدّ الوضع ووجدت خطرًا على طفلتَي، فسأفكر بالأمر”.
حتى وإنّ رغب محمد بالنزوح فهناك الكثير يمنعه من ذلك أهمها التكاليف المادية، عبر عن ذلك بقوله: “النزوح يحتاج إلى مبالغ خيالية لا نقوى عليها، فقد تم استنزافنا خلال العامين الماضيين”.
أوقفوا الحرب
وخلال حديثهم إلى مراسل شبكة مراسلين وجّه عددٍ من أهالي غزة نداءهم الوحيد إلى الأمتين العربية والإسلامية بأنّ يستيقظوا من سباتهم وينظروا إلى حال غزة وأهلها بعين الرحمة، فما يحدث هو “إبادة من طرف واحد، وليست حرب متكافئة، جيش يسحق الأطفال والنساء والمدن”، وناشدوا العالم أجمع، بضرورة وقف تدفق شلال الدم الذي يقترفه الاحتلال بحقهم في القطاع.