مع إغلاق المعابر في غزة.. كيف يعيش سكان القطاع أيام رمضان؟

بالكاد بدأ سكان قطاع غزة يتنفسون الصعداء ويعيدون ترتيب أوضاعهم المعيشية، رغم أنهم لا يزالون يعيشون تحت وطأة ما خلفته الحرب الإسرائيلية التي استمرت قرابة خمسة عشر شهراً.
ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إلا أن ظروف حياتهم ظلت صعبة ومأساوية. ويقول السكان هناك إن القرار الإسرائيلي الأخير بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات لهم منذ مطلع الأسبوع زاد من شدة الموقف، إذ ضاعف من صعوبة أوضاعهم المعيشية المتردية أصلا، وسط تحذيرات من منظمات محلية ودولية من عودة نذر المجاعة إلى القطاع المحاصر.
المواطن الغزي بلال جنيد من بلدة جباليا شمالي قطاع غزة اختار أعلى نقطة فوق ركام منزله المدمر لينصب عليها خيمته، خوفاً على أطفاله من الإصابة بالأمراض، وهرباً من غبار الشوارع والمياه العادمة؛ فلا دواء في غزة ولا مقدرة مالية لديه لعلاجهم وقد تكاثرت عليه هموم الحياة كما يقول.
فبعد أن كان يدبر متطلبات الطعام والشراب لعائلته من المساعدات، جاء قرار إغلاق المعابر ليضاعف من معاناته.
يقول بلال في حديث نقلته “بي بي سي”: “أكبر جريمة أن تُغلَق المعابر وخاصة في شهر رمضان الفضيل ونحن نعاني كثيراً من إغلاقها. لا أعرف ماذا أقول وكيف أصف الوضع؟ يعني حتى البندورة (الطماطم) لا أستطيع شراءها لأولادي، وها أنا أعيش في تلك الخيمة وكل ما نملك من أثاث ومقتنيات ومعظم ملابسنا تحت ركام بيتنا المدمر.. كنا نعيش في مدارس الإيواء واليوم جئت أحاول انتشال بعض الملابس أو المقتنيات لكي نستفيد منها، كان هذا البيت مكوناً من ستة طوابق وكنا نعيش بشكل محترم في شقق”.

يضيف جنيد وقد بدت عليه علامات التعب والإرهاق الشديدين “نحن نعتمد بشكل كامل علي المساعدات واليوم توقفت. لا أعرف ماذا يمكن أن نتناول في الإفطار أنا وأولادي بعد صيام اليوم، ولا فرص عمل لدينا وكل البلد مغلقة تماماً. نطالب بإدخال المساعدات بشكل عاجل، فكيس الطحين أصبح ب 150 شيكل (حوالي 42 دولاراً أمريكياً) ولا أستطيع شراءه، ولولا بعض الجمعيات الخيرية وتكيات الطعام لمُتنا من الجوع”.
وظلت ظاهرة الاحتكار والتحكم في الأسعار مستمرة منذ اندلاع الحرب على القطاع، رغم محاولات سلطات حماس في القطاع مواجهة تلك الظاهرة، بعد أن أعادت بسط سيطرتها على القطاع عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وحل شهر رمضان هذا العام، على أهالي قطاع غزة، وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية وغلاء في الأسعار، وغُصة تسكن قلوبهم مع فقدان الأهل والأحبة.
ويحاول الأهالي تضميد جراحهم وآلامهم بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع التي استمرت 15 شهراً، وخلفت دماراً هائلاً في المنازل والبنية التحتية، وألقت بثقلها على الوضع الاقتصادي والمعيشي في القطاع.
وتشهد الأسواق حركة شرائية ضعيفة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فضلاً عن غلاء أسعار السلع واللحوم والخضراوات، التي ارتفعت أكثر بعد وقف دخول المساعدات.
وبات إقبال المواطنين يقتصر على شراء احتياجاتهم الأساسية، رغم حاجتهم الماسة لاقتناء كل ما يحتاجونه وأطفالهم خلال شهر رمضان، الذي يشهد ارتفاعاً في الطلب على السلع الأساسية.

وأغلقت إسرائيل المعابر، ومنعت دخول أي مساعدات للقطاع في محاولة لتكثيف الضغط على حركة حماس لتمديد اتفاق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وعدم الدخول إلى المرحلة الثانية التي تستلزم حسب الاتفاق انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع تماماً وإعادة حماس لباقي الرهائن وإطلاق سراح سجناء ومعتقلين فلسطينيين في المقابل مع تنفيذ الشرط الأبرز المتمثل في وقف الحرب وهو ما ترفضه إسرائيل.
مخالفة للقانون الدولي
ووصف صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” قرار وقف دخول المساعدات للقطاع بأنه يشكل “جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ويكرس واقع الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني”.
ويوضح عبد العاطي في تغريدات له، أن 80 في المئة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، واستمرار عدم إدخالها سيؤدي إلى تفاقم معاناتهم من الجوع والفقر.
ويضيف أن “هذه الإجراءات التعسفية تعكس سياسة العقاب الجماعي التي تهدف إلى خنق القطاع اقتصادياً وإنسانياً، مما يفاقم الأوضاع الكارثية، لا سيما في ظل شهر رمضان المبارك وانخفاض درجات الحرارة “. ويبين أن وقف المساعدات وإغلاق المعابر أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، كما أن منع إدخال الوقود ينذر بانهيار الخدمات الأساسية وانتشار الأوبئة والأمراض.
وحذرت منظمات دولية ومؤسسات محلية من أخطار عودة شبح المجاعة مجدداً إلى القطاع، مع استمرار قطع المساعدات، وفي ظل توقف عجلة الإنتاج والعمل، واعتماد سكانه على هذه المساعدات في توفير لقمة عيشهم.
ويعتمد 80 في المئة من سكان القطاع على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ويعرّض وقف المساعدات أكثر من 289,824 طفلاً و139,764 مسناً للموت جوعاً والبرد الشديد لعدم توفر الأغطية ووسائل التدفئة، وفقاً لوزارة التنمية الاجتماعية في غزة.

ووصفت إيناس حمدان، مديرة المكتب الإعلامي لوكالة الأونروا في قطاع غزة، قرار وقف المساعدات ومنعها من دخول القطاع بأنه يهدد حياة الآلاف من السكان والعائلات الذين أنهكتهم الحرب التي استمرت لأكثر من خمسة عشر شهراً.
وأضافت أن “معظم السكان في قطاع غزة يعتمد بشكل كبير على المساعدات الإغاثية التي تقدمها الأونروا، وبالتالي، لا بد من الاستمرار بتدفق المساعدات بما يجعلنا نضمن دخول كميات كافية من تلك الإمدادات الغذائية وغير الغذائية”.
وتابعت: “نحن نتحدث عن مقومات أساسية للحياة – غذاء وماء ودواء وكهرباء ووقود – ولا يمكن بأي حال من الأحوال تقديم خدمات إنسانية منقذة للحياة بالشكل الأمثل دون دخول كميات مناسبة من المساعدات الإغاثية”.
هل إغلاق المعابر أداة للتفاوض؟
كما أن هناك من يرى أنه بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، التي استمرت 42 يوماً، ورفض الأخيرة الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، فإن إسرائيل لجأت إلى استخدام التجويع مجدداً، كأداة ضغط تفاوضية، تسعى لتحقيق أهدافها بتهجير الفلسطينيين من القطاع قسراً.
ومع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، يتفاقم الوضع الإنساني في القطاع، ويزيد من معاناة أكثر من مليونيْ فلسطيني يعيشون أصلاً أوضاعاً معيشية مأساوية، بفعل الحرب الإسرائيلية.

ويقول المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحماس في غزة إنه منذ 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار 962 مرة، ما أدى لمقتل أكثر من 118 فلسطينياً وإصابة قرابة 500 آخرين، كما لم تلتزم بالبرتوكول الإنساني، إذ سمحت فقط بإدخال قدر شحيح جداً من المساعدات الإنسانية، وفقاً للمكتب الإعلامي.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن منع إدخال مستلزمات الإيواء المؤقت، يعني بقاء نحو مليون ونصف مليون إنسان بلا مأوى بعد تدمير بيوتهم، في ظل أجواء شديدة البرودة، وظروف معيشية قاهرة تنعدم فيها أبسط سبل الحياة من ماء وغذاء وكهرباء.
وأوضح أن منع وصول المعدات والآليات الثقيلة يعني بقاء أكوام الركام التي تزيد عن 55 مليون طن، وتحتجز تحت أنقاضها أكثر من 10 آلاف مفقود وتُعيق الحركة بسبب الشوارع المغلقة، كما تُشكل أزمة صحية وبيئية.
أصبحت ظروف الحياة في غزة شبه مستحيلة في ظل ضغوطات الحياة المستمرة على سكانها، حيث باتوا بين مطرقة الحصارِ المشدد وإغلاق المعابر وسندان التهديد بعودة الحرب، ويعيش هؤلاء في حالة من الضبابية فيما يتعلق بمستقبل اتفاق الهدنة، بل وحتى مستقبل القطاع برمتِه.