كيف نشأت وهل تعد جيشا موازيا في السودان؟ ماهي قوات الدعم السريع..ولماذا انقلبت على الجيش؟

شبكة مراسلين – محمد الليثي
أثارت التصريحات المتبادلة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، و قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، عقب انقلابه اليوم السبت على الجيش السوداني، ومحاولة السيطرة على البلاد، حالة من التوجس والتوتر الشديدين في الشارع السوداني نتيجة الخوف من مواجهة عسكرية ربما تتطور لحرب أهلية. بسبب انفراد كل منهما بجزء من الجيش والقوات المسلحة.
انقلاب عسكري
كشف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أن قوات الدعم السريع هاجمت منزله في الساعة التاسعة صباحا، بداية الهجوم على المقرات العسكرية، ومحاولةالسيطرة على البلاد.
وأضاف البرهان في تصريحات لقناة “الجزيرة” أن “قواتنا تعاملت مع الفوضى التي يقوم بها الدعم السريع وقيامه بحرق طائرات عسكرية” مؤكدا أن الأمور تحت السيطرة.
وتابع البرهان: ” فوجئت بمهاجمة قوات الدعم السريع لمنزلي ومقرات بيت الضيافة في الساعة التاسعة صباحا ولكنهم وفشلوا بعدما تصدت قواتنا لهذه المحاولة.
وأكد أن كل المرافق الهامة تحت السيطرة، بما فيها القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش .
حميدتي يصف البرهان بالمجرم
قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” إنه ليس له عداء مع الجيش السوداني، معربا عن أسفه للقتال مع أبناء شعبه.
ووصف حميدتي في تصريحات لقناة “الجزيرة” قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بـ “المجرم” و هو من أجبرهم على ذلك، وهو من يدمر السودان حاليا.
وتابع: “نحن نسيطر على الوضع تمام، وعلى جميع مقار الجيش السوداني وهؤلاء لديهم مخطط إجرامي ويهدفون إلى عودة الانقلاب”
ودعا حميدتي الشعب السوداني للانضمام إلى قوات الدعم السريع، كما دعا ” شرفاء القوات المسلحة إلى الانضمام للشعب”.
وأكد حميدتي أن المعركة ستحسم الأيام المقبلة، قائلا: “قواتنا اضطرت في دخول مواجهة مباشرة مع الجيش”.
واستطرد حميدتي: “نحن لم نبدأ بالحرب ولكن قوات البرهان هي من اعتدت علينا.. ونحن موجودون لحماية الديمقراطية والشعب السوداني”.
وأعاد القول بأن “قوات البرهان عصابة تحكم السودان بالقوة ونحن جيش وطني”.
وسخر حميدتي ضاحكا، من بيانات الجيش السوداني التي تقول إنها سيطرت على القيادة الخاصة لقوات الدعم السريع، مؤكدا أن الجيش السوداني كاذب ولم يحدث هذا مطلقا.
وقال حميدتي “نحن مع خيار الشعب السوداني ويجب على جيش البرهان أن يعود إلى ثكناته”.
وأكد أنه لا يجزم بتوقف الحرب في الوقت الحالي، ولكنه قال إن القتال سينتهي في القريب العاجل، مؤكدا أنهمجبور على القتال في رمضان رغم قدسية هذه الأيام العشرة الأخيرة من رمضان.

من هي قوات الدعم السريع وكيف نشأت؟
نشأت قوات «الدعم السريع» رسمياً كقوات شبه نظامية تابعة لجهاز الأمن الوطني – جهاز المخابرات الوطني حالياً – خلال أغسطس 2013، وذلك بعدما كانت قوات صغيرة تابعة لقوات حرس الحدود. ولعبت دوراً كبيراً في حرب الحكومة الإسلامية ضد الحركات المتمردة ضدها في إقليم دارفور بوجه خاص، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وفي يوم 18 يناير 2017 أجاز البرلمان أثناء حكم الرئيس المعزول عمر البشير «قانون قوات الدعم السريع»، وانتقلت تبعيتها من إمرة جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة السودانية – أي الجيش – .
ونص القانون، على أنها قوات تابعة للقائد العام للجيش، وتقول ديباجة القانون «الدعم السريع قوات عسكرية قومية التكوين، وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية».
إلا أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي (وقتها) الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أصدر في 30 يوليو 2019 مرسوماً دستورياً، عدّل بموجبه قانون قوات «الدعم السريع»، وقضى بحذف المادة (5) من القانون، التي تنص على «الخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة، بجميع فقراتها؛ ما جعلها منذ ذلك التاريخ شبه مستقلة عن الجيش».
وهكذا، تبدو «قوات الدعم» في الوقت الحالي تابعة للجيش «شكلياً» وقانون القوات المسلحة السودانية، لكنها في الواقع تدين بولاء كبير لمؤسسها وقائدها «حميدتي» ونائبه شقيقه عبد الرحيم، ولا تملك قيادة الجيش إقالة قادتها، لا سيما بعد المرسوم الذي أصدره وألغى بموجبه تبعيتها القانونية للجيش السوداني.

كيف صعدت قوات الدعم في السودان؟
برزت قوات «الدعم السريع» بصورة أكبر في المشهد السياسي إبان «ثورة ديسمبر 2018»، وعلى وجه الخصوص بعد اشتداد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد المطالبة بإسقاط حكم الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، إثر قرار قائدها الانحياز لقوى المعارضة في الشارع. وأسهم ذلك الموقف بشكل كبير في الإطاحة بحكومة البشير، ليتوج نفسه لاعباً رئيسياً في الأحداث، إن لم يكن المتحكم «الرئيسي» في عملية التغيير إلى جانب الجيش.
وبعد التغيير الذي حدث في البلاد والإطاحة بنظام البشير، تحوّلت «قوات الدعم» من تشكيلات عسكرية خفيفة يطلق أعداؤها عليها لقب «جنجويد»، وينحصر دورها في قتال الحركات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق دفاعاً عن نظام الإسلاميين، إلى قوة عسكرية نظامية خارج إطار الجيش.
وحظيت «الدعم السريع» حقاً بالقبول وسط الثوار على أيام الثورة الأولى، وظهر وقتها شعار «حميدتي الضكران الخوف الكيزان». لكنها خسرته دفعة واحدة، بعد جريمة فض اعتصام القيادة العامة التي راح ضحيتها المئات بين قتيل ومفقود، واتجاه الأنظار وقتها بشكل أساس إلى دور «الدعم السريع» في العملية. ومع أن الجيش اعترف «علناً» بتخطيط العملية، واعتبر قائد «الدعم السريع» أن ما تم محاولة لتوريطه، فإن الإصبع الرئيسي دائماً ما كان يشير إلى فيديوهات للعملية تظهر فيها أعداد كبيرة من القوات المشاركة في العملية وهي ترتدي أزياء «الدعم السريع».
شعبية قوات الدعم السريع في السودان
وانخفضت شعبية قوات الدعم أكثر بمشاركة «حميدتي» وقواته في انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021، بتصريحاته الشهيرة إبان الإعداد للانقلاب «نحن غفراء، لا يمكن أنت تحميه، يقول إنك خصم على رصيده السياسي، لن نجلس مع المدنيين على تربيزة واحدة، إلا بوفاق، ولتمطر حصو اليوم قبل الغد». لكن الرجل عاد أخيراً واعتبر ما حدث انقلاباً فاشلاً، ما قرب بينه وبين القوى المدنية.
ووفقاً لتقارير سودانية، فإن لـ«الدعم السريع» الآن مقار وثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن المخابرات الوطني ومقار تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول، كما أنها تنتشر بشكل واضح في إقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، إلى جانب مناطق حدودية مع دول الجوار الأفريقي.
ومع أنه لا توجد إحصائيات منشورة بعدد قوات «الدعم السريع»، تقدر تقديرات سابقة العدد بأكثر من 40 ألفاً من الضباط وضباط الصف والجنود. وظلت عملية التجنيد مفتوحة طوال السنوات الماضية، ما يرجح تزايد أعدادها إلى الضعف. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددها تجاوز المائة ألف مقاتل.
أيضاً لا تعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها هذه القوات بين حين وآخر، تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروز بك آب» مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وفي وقت سابق نفت «الدعم السري: شائعات راجت عن حصولها على أنظمة تجسس دقيقة ومسيرات متطورة، واتهمت جهات لم تسمها بالعمل على تشويه صورتها».
وصنعت «الدعم السريع» في وقت وجيز شبكة علاقات إقليمية ودولية واسعة من خلال مشاركتها في التعاون والتنسيق مع دول أوروبية في ملف الحد من الهجرة غير النظامية، وكذلك مشاركتها ضمن التحالف العربي في الحرب اليمنية، وعلاقات قائدها بعدد من الزعماء والقادة العرب والأفارقة؛ ما مهد له أن يكون جزءاً مهماً من المعادلة العسكرية والسياسية والاقتصادية داخل البلاد، بل وفي الإقليم.
وحسب لواء متقاعد في جهاز الأمن والمخابرات السوداني، نقلت عنه صحيفةـ«الشرق الأوسط»، إن عملية دمج القوات بسيطة وعادية، ولكن في الحالة السودانية التعقيد يأتي من طبيعة تكوين قوات «الدعم السريع. ويشير في ذلك إلى الطابع القبلي والجهوي الذي يغلب على تلك القوات، وارتباطها بقيادة تاريخية بعينها شكلت هذه القوات في إشارة إلى قائدها (حميدتي)».
وتابع اللواء المتقاعد «أن ظروفاً وأسباباً كثيرة أدخلت القيادة التاريخية هذه القوات في المعادلة السياسية وأصبح لها موقف سياسي ومؤثر في مجريات الأحداث». بيد أنه عاد ليؤكد وجود «عوامل إيجابية» تخفف من صعوبة دمج هذه القوات على الرغم من الطابع القبلي الحاد، من بينها أنها ضمت في الآونة الأخيرة أفراداً من جهات وقبائل أخرى، وأن قياداتها الوسيطة غير منعزلة عن التكوينات العسكرية، وتضم ضباطاً برتب عليا من الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.
ويذهب المصدر إلى القول، إن بعض الظروف سمحت لقوات «الدعم السريع» بالتمدد الإقليمي والدولي. وعدّ ذلك «سلاحاً ذا حدين» قد يكون ضدها أو في صالحها؛ لأن هذا العامل الخارجي الذي يدرك التعقيدات في البلاد، يمكن أن يحدّ من طموحات قيادتها، لكن في الوقت ذاته، يفتح الطريق أمامها على موقع مناسب معقول في معادلة السلطة. ووفق اللواء متقاعد، فإن العملية الفنية لدمج «الدعم السريع» أو غيرها من المجموعات المسلحة في الجيش يسيرة، ويمكن أن تمضي بسلاسة، بعزل وتفكيك الولاءات للقيادات التاريخية إلى قيادة زمنية.
