أخبارتركياتقارير و تحقيقاتسلايدرعربي و دوليمصر
أخر الأخبار

هل تكون المظاهرات والمطالب الفئوية سلاح الثورة المضادة في سوريا؟ وكيف سيتعامل معها النظام الجديد؟

ثمة مجموعة من الإشكاليات تتصل بكيفية تمكين الشعوب والمجتمعات والتوقف عن إقصائها ومصادرة دورها في المجال العام، بعد أي ثورة شعبية تنجح في الإطاحة بنظام ديكتاتوري، وثمة إشكاليات أخرى على الطريق المقابل، تتصل بانتهاز الثورة المضادة ورموز النظام القديم للتحريض على التظاهرات باسم الحرية التي حصل عليها الشعب بعد الثورة.

سيكون من أولويات أي ثورة شعبية أو حركة إصلاحية تمكين المجتمع وتبني القيم والمؤسسات والآليات الكفيلة بأن يكون الإنسان هو محور أي نظام اجتماعي وسياسي، وأن تكون المجتمعات وجماعاتها الوسيطة هي رافعة أي عملية تنمية والبرامج التي تستهدف إقامة وترسيخ المساواة والعدالة الجنائية والاجتماعية. وسيكون من الأهمية القصوى وضع ضمانات لاستقلال النظام التعليمي والجامعات ومؤسسات البحث، وكذا مؤسسات الإعلام والثقافة، وذلك من النواحي المالية والإدارية، ورفع يد أجهزة الأمن والمخابرات عنها.

لتتمخض في هذا التوقيت إشكالية جديدة بين الأمن والحرية وبين استغلال هذا المناخ من الحرية لتتوغل عناصر الثورة المضادة عن طريق المطالب الفئوية بهدف عرقلة الثورة، وخلط الأوراق، ثم العودة مجددا .

ودائما ما تتضمن مطالب الشعوب مطالب بإقرار دولة المؤسسات المدنية الديمقراطية المنتخبة التي يمكن مراقبتها ومحاسبتها شعبيا وأمام قضاء مستقل وأجهزة رقابة مستقلة، مع الحفاظ في ذات الوقت على وحدة الجيوش ورفع مهنيتها وتقوية نظم تسليحها وتدريبها وضمان عدم انقلابها على أي سلطة مدنية منتخبة أو تحولها إلى ممارسة التجارة أو التدخل في عمل المؤسسات المدنية والمجتمعية.

وهذه المطالب تزكيها عناصر الثورة المضادة، بالاتفاق مع الجيوش لفترة مؤقتة، ولو على حساب قيادات الأمن، لحين العودة إحداث حالة من الفوضى، يستغلها النظام القديم، ومن ثم العودة في شكل جديد بنفس العناصر القديمة، كما حدث في ثورات مصر وتونس وليبيا.

كما أن هناك إشكالية ثالثة تتصل بازدواجية النخب المعبرة عن تيارات سياسية مختلفة في النظر إلى مسألة الحريات والديمقراطية واستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، في الوقت الذي يحتاج الناس إلى التركيز على بناء دولة المواطنة وحكم القانون والمحاسبة السياسية التي تضمن العدالة والمساواة للجميع دون تمييز، وتحاسب -عبر نظام عدالة مستقل- كل من يشارك في التآمر على المؤسسات المدنية المنتخبة، أو يحرض على هدمها، أو يمارس العنف السياسي أو يحض عليه.

البداية من مصر

ولعل الإشكالية الرابعة والأخطر تتموضع حول الدين، خاصة إذا كان النظام الحاكم الجديد بعد الثورة من التيارات الإسلامية كما حدث مع حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والذي بقدر ما كان نقطة قوة للوصول إلى الحكم، بقدر ما كان نقطة الضعف التي استطاعت الثورة المضادة الوصول إليها، من خلال اتهام جامعة الإخوان بالتطرف، وأخونة الدولة، وهيمنة الجماعة على مؤسسات الدولة لمصالحها الشخصية، حتى استطاعت عناصر الثورة المضادة بمساعدة الجيش الانقلاب على هذا الحكم بعد عام واحد فقط، والإطاحة بأول رئيس مدني منتخب انتخابا حرا ديمقراطيا، وزجه بالسجن، ثم وفاته، والقبض على السلطة بيد من حديد من قبل ممثل المؤسسة العسكرية.

هذا السيناريو يثير رعب الكثير من أبناء الشعب السوري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، في العاشر من ديسمبر 2024، بالرغم من تفكيك الجيش، وعدم وجود منافس عسكري للسلطة المدنية بشكلها الصريح كما حدث في مصر، لكن وصول هيئة تحرير الشام التي تنتمي لجماعة الإخوان وعناصر من القاعدة، تعد أحد وأهم نقاط الضعف التي يستغلها كل التيارات المعادية للنظام الإسلامي، والتي غالبا مايحركها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، وعدم وجود أي نظام عربي أو إسلامي حاكم يهدد مستقبل أو أمن هذا الكيان.

يحدث في سوريا

وعلى غرار ما حدث في مصر عام 2013 أثناء الإطاحة بحكم الإخوان، من خلال المطالب الفئوية، وهو عنصر المفاجأة الذي استغلته الثورة المضادة، بدعم من المؤسسة العسكرية، بدأ التجهيز لنفس السيناريو في سوريا، من خلال حملة الاتهامات التي يواجه به الإعلام العربي والغربي النظام الجديد في سوريا، بالتضييق على الحريات، واضطهاد النساء والأقليات، والمطالبة بضمانات لتمثيل كافة أطياف الأحزاب السياسية والأقليات في الحكم، عن طريق كوتة محددة لكل تيار، بما يشبه تقسيم البلاد طائفيا، رغم أكثرية المكون السني في سوريا.

وبدأت تظاهرات المئات من نساء ورجال في ساحة الأمويين في دمشق للمطالبة بنظام مدني وبمشاركة النساء في الحياة العامة والعمل السياسي في الإدارة الجديدة في سوريا، وردّد المتظاهرون شعارات مثل “سوريا حرة مدنية” و”نريد ديموقراطية وليس دينوقراطية” (تيوقراطية)، رافعين لافتات كتب عليها “نحو دولة قانون ومواطنة” و”لا وطن حرا دون نساء أحرار”.

وقالت بعض النساء المشاركات في التظاهرات: “وجودة هنا لأننا نشعر بأن كل نساء ورجال سوريا يجب أن يكونوا موجودين، لأننا نشعر للمرة الأولى بأن لدينا وجودا ونتكلم ونعبر ونسمع بعضنا”.

وأضافت “سوريا الجديدة يجب أن تكون للجميع وهذا حقنا…المرأة لها دور كبير في العمل السياسي وأشجع كل امرأة على أن تعبر عن رأيها”.

وتابعت “أي موقف يسيء حاليا للمرأة سنكون له بالمرصاد ولن نقبل به، انتهى العهد الذي سكتنا فيه”.

واعتبر عدد من المراقبين هذه التظاهرات التي تخرج تحت شعار الدولة المدنية والمطالبة بحرية النساء وإشراكهن فضلا عن المطالب الفئوية التي تطالب بزيادة الرواتب وتحسين الأحوال الاجتماعية، اعتبروها ” بالون اختبار” لنظام الحكم الجديد، واستفزاز مبكر لردود فعله.

كيف يستعد النظام السوري الجديد لهذا السيناريو؟

يأتي هذا التحرّك بعد أكثر من عشرة أيام من وصول هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها إلى السلطة في دمشق والإطاحة ببشار الأسد نتيجة هجوم مباغت شنّته تلك الفصائل من معقلها في شمال غرب سوريا.

وقبل فكّ ارتباطها عن تنظيم القاعدة، كانت هيئة تحرير الشام تعرف بجبهة النصرة وتتبّع فكرا جهاديا متطرفا، ولا تزال تصنّف “إرهابية” من قبل عدد من الدول الغربية. لكنّ الهيئة تسعى إلى طمأنة الأقليات الدينية في البلاد واعتماد خطاب أكثر اعتدالا.

وعيّنت حكومة تصريف أعمال تدير المرحلة الانتقالية في البلاد حتى الأول من /مارس.

لكن مع ذلك ورغم طمأنة النظام الجديد للشعب السوري والأقليات ودول أوروبا وأمريكا، مازالت هذه الإشكالية هي حجر الزاوية في كيفية تعامل نظام أحمد الشرع والفصائل الإسلامية مع هذه الثغرات التي وصلت منها الثورات المضادة في كافة بلدان الربيع العربي.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews