معاريف: أردوغان يخطو خطوة أخرى نحو لقب “السلطان التركي”

ترجمة : أبوبكر خلاف
تشهد المنطقة تحولات جيوسياسية معقدة، حيث تلعب تركيا دورًا متزايد التأثير على المستويين الإقليمي والدولي. في هذا السياق، أثار إعلان المتمردين الأكراد عن وقفٍ لإطلاق النار ردود فعل واسعة، وسط تكهنات حول دوافع هذه الخطوة وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي التركي.
وفي حديث خاص لصحيفة معاريف، قدّم د. حيّ إيتان كوهين ييناروچاك، الباحث البارز في مركز موشيه دايان بجامعة تل أبيب، تحليلاً معمقًا حول هذه التطورات، مشيرًا إلى أن المصالحة المحتملة بين تركيا والأكراد لا تزال غير محسومة.
وقف إطلاق النار.. مناورة أم بداية لحل سياسي؟
أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، مؤخرًا، من سجنه، عن مبادرةٍ تاريخية تدعو إلى وقف إطلاق النار مع تركيا، وهو تطورٌ يُمكن أن يُعيد رسم الخريطة السياسية الداخلية في البلاد. لكن د. ييناروچاك يرى أن هذا الإعلان لا يعني بالضرورة نهاية النزاع، حيث قال:
“إن الحديث عن تسويةٍ شاملة ما زال سابقًا لأوانه. فحتى الآن، لم يتضح ما إذا كانت جميع الفصائل الكردية، لا سيما تلك الناشطة في سوريا والعراق، ستلتزم بوقف إطلاق النار أم لا. وبينما تعلن بعض الأطراف عن نيتها إلقاء السلاح، إلا أن ذلك لا يعني حلًّا جذريًا للصراع”.
وأشار الباحث إلى أن أوجلان، رغم رمزيته، لم يعد يملك النفوذ الكامل على كافة الفصائل الكردية المسلحة، مضيفًا:
“هناك العديد من الأجنحة المتشددة التي ترفض أي تقارب مع الحكومة التركية، ما يجعل فرص نجاح هذه المبادرة غير مؤكدة.”
أردوغان والمكاسب السياسية: لعبة الدستور والبقاء في السلطة
بحسب د. ييناروچاك، فإن الدوافع السياسية وراء محاولة التقارب مع الأكراد ترتبط بشكل مباشر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى لضمان استمراره في الحكم عبر تعديل الدستور. وشرح ذلك بقوله:
“بحسب الدستور التركي، لا يمكن لأردوغان الترشح لفترةٍ رئاسية ثالثة إلا في حال الدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرة. لكنه يسعى إلى تفادي هذا الخيار، وبدلاً من ذلك، يعمل على تعديل الدستور ليتمكن من الترشح مجددًا دون الحاجة إلى حل البرلمان.”
وأضاف أن هذا الأمر يتطلب دعمًا برلمانيًا واسعًا، بما في ذلك أصوات النواب الأكراد، وهو ما يفسر رغبته في تهدئة التوترات معهم:
“لكي يُمرر تعديلًا دستوريًا يتيح له الترشح مرة أخرى، يحتاج إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إذ من دونه، لن يتمكن من حشد العدد الكافي من الأصوات داخل البرلمان.”
تركيا وحماس: علاقة معقدة ومواقف متغيرة
من ناحيةٍ أخرى، تناول ييناروچاك التقارير التي تحدثت عن لقاءاتٍ سرية بين المخابرات التركية وقادة حركة حماس، والتي يُعتقد أنها جرت في السابع من أكتوبر. وأوضح أن هذه الاجتماعات لم تكن جزءًا من أي تخطيطٍ مشترك، بل عكست توتراتٍ داخلية في العلاقة بين أنقرة والحركة الفلسطينية.
“وفقًا لما تسرّب من تلك اللقاءات، بدا أن المسؤولين الأتراك فوجئوا بالأحداث التي وقعت في السابع من أكتوبر، ولم يكونوا على علمٍ مسبق بها. بل إن بعض التقارير تُشير إلى أن تركيا وجّهت انتقاداتٍ لحماس لعدم أخذها في الحسبان التداعيات الاستراتيجية لهجومها على إسرائيل.”
وأكد الباحث أن أنقرة، رغم احتضانها بعض قيادات حماس، لا تتبنى بالضرورة كل تحركاتها، لافتًا إلى أن المصالح التركية تستند إلى اعتباراتٍ أوسع تتعلق بعلاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية.
انعكاسات التحولات التركية على المشهد الإقليمي
أردوغان لا ينظر فقط إلى الداخل التركي، بل يسعى أيضًا إلى توطيد علاقاته مع دول الخليج والدول العربية الكبرى. فقد شهدت الفترة الأخيرة تقاربًا ملحوظًا بين أنقرة وعددٍ من العواصم العربية، لا سيما الرياض وأبو ظبي، في محاولة لإعادة التموضع سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة.
“تركيا تدرك أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها تتطلب تعزيز العلاقات مع الدول العربية ذات النفوذ المالي. لذلك، فإن سياسات أردوغان الخارجية تُركّز على تحقيق هذا الهدف، حتى لو تطلب الأمر إعادة تقييم علاقاته مع أطرافٍ مثل الأكراد أو حماس.”
هل ينجح أردوغان في مساعيه؟
رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس التركي لإحكام قبضته على السلطة داخليًا، وتعزيز نفوذ بلاده خارجيًا، إلا أن التحديات التي يواجهها لا تزال قائمة. فالمعارضة الداخلية، والتوترات مع الأكراد، والضغوط الاقتصادية، كلها عوامل قد تعرقل طموحاته السياسية.
وبحسب د. ييناروچاك، فإن نجاح أردوغان في تحقيق أهدافه يعتمد على مدى قدرته على تحقيق التوازن بين هذه الملفات المتشابكة:
“إنه يسير على حبلٍ مشدود، إذ يحاول التوفيق بين المصالح المتضاربة. السؤال الرئيسي هو: هل سيتمكن من تحقيق الاستقرار الكافي لتمرير خططه السياسية، أم أن العوامل الخارجية والداخلية ستؤدي إلى نتائج غير متوقعة؟”
في ظل هذه التطورات، يبدو أن المشهد السياسي في تركيا مقبلٌ على مرحلةٍ حاسمة، قد تُعيد رسم توازنات القوى داخل البلاد، وتمتد تداعياتها إلى الإقليم بأسره.