التصعيد العسكري الإسرائيلي في سوريا.. الأبعاد والتداعيات

بقلم: وليد شهاب قصاص
شهدت سوريا مع ساعات الفجر الأولى من 27 آذار/مارس 2025 تصعيداً عسكرياً غير مسبوق تنفذه القوات الإسرائيلية، حيث تشن سلسلة ضربات جوية وبريّة متزامنة تستهدف مواقع استراتيجية في عدة محافظات سورية.
يأتي هذا التصعيد في سياق متشابك من التطورات الإقليمية والدولية، مع تصاعد حدة التوترات حول الملف النووي الإيراني وازدياد الوجود العسكري الإيراني في الأراضي السورية، مما يضع المنطقة أمام تحديات أمنية وسياسية جديدة.
الضربات الجوية على اللاذقية
تركزت الضربات الجوية الإسرائيلية في محافظة اللاذقية على ثلاثة مواقع حيوية. يتمثل الموقع الأول في الميناء الأبيض الذي يشكل المنفذ البحري الرئيسي لسوريا على البحر المتوسط، حيث تلعب هذه المنشأة دوراً محورياً في حركة التجارة والاستيراد. أما الموقع الثاني فهو قاعدة اللواء 110 البحري في منطقة رأس الشمرا التي تضم منشآت عسكرية مشتركة بين القوات السورية والروسية. بينما يتمثل الموقع الثالث في مخازن الأسلحة بجبال الساحل السوري التي يُعتقد أنها تحتوي على صواريخ متوسطة المدى
سببت الضربات الجوية في أضرار بالغة بالبنية التحتية للميناء، حيث تعطل حركة السفن التجارية بشكل كامل وتندلع حرائق واسعة النطاق تستمر لساعات طويلة. وفي القاعدة البحرية، يؤدي القصف إلى تدمير منشآت عسكرية حيوية تشمل مستودعات الذخيرة ومراكز الاتصالات، مما يؤثر سلباً على القدرات الدفاعية للقوات المتمركزة هناك.
التصعيد البري في الجنوب السوري
تشهد محافظتا درعا والقنيطرة تطورات عسكرية متزامنة مع الضربات الجوية، حيث تنفذ القوات الإسرائيلية عمليات توغل بري عبر الحدود. تتقدم الآليات العسكرية الإسرائيلية عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، مستهدفة نقاطاً عسكرية حدودية حساسة. وتستخدم القوات الإسرائيلية قنابل مضيئة في عمليات استطلاع جوية فوق قرى ريف درعا، في إطار تعزيز قدراتها الاستخباراتية في المنطقة
أدت هذه العمليات العسكرية إلى نزوح واسع النطاق للسكان المدنيين من القرى الحدودية، خوفاً من تصاعد الأعمال القتالية. كما تدمر العديد من المنازل السكنية، مما يفاقم المعاناة الإنسانية للسكان الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة نتيجة سنوات الحرب والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
السياق الاستراتيجي للتصعيد
تمثل هذه الضربات جزءاً من سياسة الضربات الاستباقية التي تتبعها إسرائيل، والتي تهدف إلى الحد من النفوذ العسكري الإيراني في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بنقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله. كما تحمل هذه العمليات رسائل سياسية واضحة للقوى الدولية الفاعلة في المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، حول عزم إسرائيل على فرض معادلة أمنية جديدة
من جانبها، تتبنى القيادة السورية موقفاً متحفظاً إزاء هذه التطورات، حيث تقتصر ردود أفعالها العسكرية على تحريك بطاريات الدفاع الجوي دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الطائرات الإسرائيلية. بينما تركز على الجبهة الدبلوماسية، حيث تستدعي ممثلي الدول الكبرى لتقديم احتجاجات رسمية على هذه الانتهاكات.
ردود الفعل الدولية والمحلية
استنكرت روسيا بشدة هذه الضربات وتحذر من عواقبها الخطيرة على استقرار المنطقة. في المقابل، تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر حيادية، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس. وتدعو الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقييم الأضرار والخسائر، مع التأكيد على ضرورة فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة
على الصعيد المحلي، تشهد عدة مدن سورية مظاهرات غاضبة تندد بالعدوان الإسرائيلي وتطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري. وتعلن المنظمات الإنسانية عن حالة الاستنفار القصوى، حيث تعمل فرقها الطبية على تقديم الإغاثة العاجلة للنازحين والمتضررين من هذه العمليات العسكرية.
التداعيات الإقليمية والتوقعات المستقبلية
تزيد هذه التطورات العسكرية من حدة التوتر في المنطقة، خاصة مع توقعات بحدوث ردود فعل من الفصائل الموالية لإيران في سوريا ولبنان والعراق. كما تشكل هذه الأزمة اختباراً حقيقياً للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة، التي تواجه تحدياً في الموازنة بين دعمها الأمني لإسرائيل والحفاظ على الاستقرار الإقليمي
تتنوع السيناريوهات المستقبلية للموقف بين عدة احتمالات، منها استمرار الضربات الإسرائيلية بشكل انتقائي، أو حدوث تصعيد عسكري من قبل الفصائل الموالية لإيران، أو تدخل دبلوماسي دولي لاحتواء الأزمة. ويبقى المدنيون العزل الضحايا الرئيسيين لهذه التطورات، مما يستدعي تحركاً إنسانياً عاجلاً لحمايتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية.
يشكل التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير في سوريا منعطفاً خطيراً في المشهد الإقليمي المعقد، حيث تتفاعل العوامل العسكرية والسياسية والاقتصادية في تشكيل مستقبل المنطقة. وبينما تسعى إسرائيل إلى تعزيز أمنها القومي عبر هذه الضربات، تبرز تحديات إنسانية وسياسية جسيمة تتطلب حلولاً شاملة لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تمتد إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.