إيران تشنّ هجوماً صاروخياً بصواريخ «حاج قاسم» وإسرائيل ترد بقصف طهران

شبكة مراسلين
بقلم :وليد حسين شهاب
في ليلةٍ لم تشهدها المنطقة منذ سنوات، تصاعدت حدّة المواجهة العسكرية بين إيران و”إسرائيل” إلى مستوى غير مسبوق، حيث اجتاحت سلسلة من الضربات الصاروخية والجوية الأجواءَ والحدودَ الفاصلة بين القوتين، في مشهدٍ أعاد إلى الأذهان كوابيس الحروب الإقليمية التي طالما حذّر منها الخبراء.
فمع إعلان إيران عن إطلاق رشقة صاروخية جديدة باتجاه أراضي الاحتلال الإسرائيلي مساء السبت، شملت صواريخ متطورة من نوع “حاج قاسم”، تبعه ردّ إسرائيلي سريع عبر غارات جوية استهدفت العاصمة طهران، اكتملت حلقة التصعيد التي بدأت قبل ساعات بقصف إسرائيلي عنيف طال مواقع نووية وعسكرية إيرانية حساسة.
السياق التاريخي والاستراتيجي: جذور المواجهة
لم تأتِ هذه المواجهة من فراغ، بل هي تتويج لسنوات من التوتر الخفيّ والمعلن بين الجانبين، حيث تُعتبر إيران و”إسرائيل” قطبيْن في معادلة الصراع الإقليمي الذي تشكّل على خلفية الملف النووي الإيراني ودعم طهران لفصائل المقاومة في المنطقة. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، دخلت العلاقات بين طهران وتل أبيب في نفق مظلم، مع تبادل اتهامات بالتخطيط لعمليات عسكرية سرية واغتيالات لشخصيات علمية وعسكرية وفي هذا السياق، يُعتبر القصف الإسرائيلي الأخير للمواقع النووية الإيرانية تصعيداً غير مسبوق، إذ يمثّل خرقاً للخطوط الحمراء التي كانت تُحترم سابقاً، حتى في ذروة المواجهات غير المباشرة بين الطرفين. فالقرار الإسرائيلي بتوجيه ضربات جوية مباشرة إلى أراضي إيرانية، بدلاً من الاكتفاء بضربات في سوريا أو لبنان، يُشير إلى تحوّل جوهري في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، التي باتت تعتمد على “الضربة الاستباقية” كخيار أول.
الليلة الدامية من صواريخ “حاج قاسم”
مع حلول الظلام مساء السبت، انطلقت صافرات الإنذار في تل أبيب والمدن الإسرائيلية المحاذية لحدود قطاع غزة، حيث رصدت أجهزة الرادار الإسرائيلية إطلاق سلسلة من الصواريخ الباليستية من الأراضي الإيرانية، بينها صواريخ “حاج قاسم” المتطورة التي تُعتبر من أحدث ما تمتلكه إيران في ترسانتها الصاروخية. هذه الصواريخ، التي سُميت باسم القائد الشهير قاسم سليماني، تُشكّل تهديداً نوعياً لقدرات الردع الإيرانية بفضل مداها الكبير ودقتها العالية، وفقاً لخبراء عسكريين.
ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن الجيش الإسرائيلي، فإنّ منظومة “القبة الحديدية” تمكنت من اعتراض نسبة كبيرة من الصواريخ، لكن بعضها، وخاصة صواريخ “حاج قاسم”، تسبّب بأضرار مادية في منطقة الجنوب، دون وقوع إصابات بشرية. وفي غضون دقائق، انتشرت صورٌ ومقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر ومضاتٍ برتقالية تضيء سماء الليل، بينما سُمع دويّ انفجاراتٍ هزّت نوافذ المنازل في مناطق متفرقة.
التلفزيون الرسمي الإيراني، من جهته، بثّ لقطاتٍ تُظهر إطلاق الصواريخ منصاتٍ مخفية في مناطق صحراوية، مع تأكيده أنّ العملية جاءت رداً “عادلاً” على ما وصفه بالعدوان الإسرائيلي السابق، مشيراً إلى أنّ استخدام صواريخ “حاج قاسم” يُعدّ رسالةً واضحةً بأنّ طهران لن تتردد في استعمال أحدث أسلحتها للرد على أي اعتداء.
لكنّ ردّ “إسرائيل” لم يتأخر. فقبل منتصف الليل بتوقيت طهران، أعلن الجيش الإسرائيلي شنّ سلسلة غارات جوية على “أهداف عسكرية تابعة للحرس الثوري” في العاصمة الإيرانية، ضمن ما أسماه “عملية الأسد الصاعد”. وفقاً لمصادر أمنية غربية، فإنّ الضربات الإسرائيلية طالت مستودعات أسلحة ومقرّات قيادية في ضواحي طهران، مما تسبّب في حرائق كبيرة وانفجاراتٍ استمرّت لساعات.
ردود الفعل الإقليمية والدولية بين القلق والتحذير
في خضمّ هذا التصعيد، سارعت عدة دول عربية وأجنبية إلى إصدار بيانات تُعبّر عن قلقها العميق من تدهور الأوضاع. فالأردن، التي تقع جغرافيا في قلب منطقة التوتر، أعلنت إغلاق مجالها الجوي بشكلٍ احترازي، فيما حذّرت مصر من “العواقب الكارثية” لأي حرب إقليمية شاملة. من جانبها، دعت روسيا إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، بينما طالبت الولايات المتحدة كلا الطرفين بـ”ضبط النفس”، في إشارة إلى عدم رغبة واشنطن في الدخول في مواجهة مباشرة
لكنّ التصريحات الأكثر لفتاً للانتباه جاءت من الأمين العام للأمم المتحدة، الذي حذّر من “أنّ المنطقة على شفا حربٍ قد تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أنّ التصعيد الحالي يُهدّد بإسقاط آخر عناصر الاستقرار المتبقية بعد سنوات من الصراعات في سوريا واليمن
هل نحن أمام حرب شاملة؟
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة بعد هذه الأحداث هو: هل دخلت المنطقة في حربٍ مفتوحة بين إيران و”إسرائيل”؟ الإجابة ليست بسيطة، فالتاريخ يشير إلى أنّ كلا الطرفين يفضّلان المواجهة بالوكالة، عبر حلفائهما في لبنان وسوريا والعراق. لكنّ الخروج عن هذه القاعدة في الأيام الأخيرة، مع ضربات مباشرة ومتبادلة، قد يُشكّل سابقة خطيرة
من الناحية العسكرية، يبدو أنّ كلا الجانبين يحاولان إرسال رسائل قوة دون الدخول في مواجهة استنزاف طويلة. فإيران، رغم قدرتها الصاروخية، تدرك تفوّق الجيش الإسرائيلي في المواجهات الجوية، بينما تدرك “إسرائيل” أنّ أي تدمير للمنشآت النووية الإيرانية لن يكون سوى حل مؤقت، مع إمكانية إعادة بنائها خلال سنوات
أما على الصعيد السياسي، فإنّ هذه الأحداث قد تُسرّع من تحالفات جديدة في المنطقة، حيث تُشير تقارير إلى اتصالات مكثفة بين تل أبيب وبعض العواصم العربية لمواجهة النفوذ الإيراني، في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى تعزيز تحالفها مع روسيا والصين لدعم موقفها الدولي
السيناريوهات المحتملة: بين الانفجار والاحتواء
في الأيام القادمة، ثمة ثلاثة سيناريوهات رئيسية تُلوح في الأفق:
الأول هو سيناريو “التصعيد المُدار”، حيث يتبادل الطرفان ضربات محدودة دون الوصول إلى نقطة اللاعودة، مع تدخّل دولي لاحتواء الأزمة عبر قنوات دبلوماسية سرية
الثاني هو “الانفجار الكبير”، أي اندلاع حرب شاملة تشمل حلفاء الطرفين، وهو السيناريو الأكثر خطورة، والذي قد يُحوّل المنطقة إلى ساحة معركة عالمية
أما الثالث، فهو “التجميد المؤقت”، عبر وقف إطلاق النار مع استمرار الحرب الباردة تحت السطح، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً وفقاً لمراقبين
دروس الماضي وتحذيرات المستقبل
في النهاية، تُذكرنا هذه الأحداث بالحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، حين استمرّ الصراع لثماني سنوات دون تحقيق أيّ من الطرفين نصراً حاسماً. الفارق اليوم هو وجود أسلحة أكثر تطوراً، وخصوم أكثر عدداً، ومصالح دولية متشابكة تجعل من أيّ شرارةٍ صغيرةٍ قادرةً على إشعال حريقٍ لا يُبقي ولا يذر لقد أصبحت كلمة “الحرب” تُردّد في أروقة السياسة العالمية كما لو كانت حلماً بعيداً، لكنّ ما حدث الليلة الماضية يُذكّر الجميع بأنّ كابوس الحرب قد يتحوّل إلى حقيقةٍ في أيّة لحظة، خاصةً في منطقةٍ مثل الشرق الأوسط، حيث تُختزن الأحقاد تحت الرماد، وينتظر الجميع اللحظة المناسبة للانقضاض.